مضت أربع سنوات ونيف على أطول انتفاضة قام بها الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي منذ عام 1967، وراح ضحيتها الآلاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين، ودمرت مئات البيوت والمدارس في الضفة الغربية وقطاع غزة وشرد أهلها من جديد على أرض وطنهم وأصبحوا بلا مأوى. كما فقد الفلسطينيون العديد من قادتهم البارزين أمثال الشهداء: فيصل عبد القادر الحسيني، وابو علي مصطفى، والشيخ احمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي ثم الرئيس ياسر عرفات. ووقعت في غضون السنوات الأربع الماضية تغيرات واسعة: إقليمية ودولية ذات أهمية بالغة، كان لها تأثيرها القوي والفعال في مجمل الأوضاع المتفجرة في منطقة الشرق الاوسط ولا سيما الانتفاضة الفلسطينية، أهمها: 1- الحرب الأميركية - العراقية الثانية وزوال حكم صدام حسين، ووقوع العراق تحت الاحتلال الانكلو - اميركي منذ آذار مارس 2003. 2- إعادة انتخاب الرئيس جورج بوش لفترة رئاسية ثانية، ما يمثل نجاحاً للاتجاه المتشدد في الادارة الاميركية ازاء قضايا الصراع العربي - الاسرائيلي. 3- اتساع نطاق أعمال العنف والارهاب في عدد من الدول العربية وانعكاس ذلك على الأمن والاستقرار في المنطقة التي تعتبر من أهم المناطق الحيوية في العالم. 4- استشهاد القادة التاريخيين للنضال الفلسطيني، وتولي قيادة جديدة للسلطة الفلسطينية تطالب بتهدئة الأوضاع في الأراضي المحتلة، والعودة الى المفاوضات ووقف عسكرة الانتفاضة. 5- تفكك التضامن العربي وضعف دور الجامعة العربية وتراجعه وتشتت جهودها بسبب تعدد الأزمات العربية من العراق الى لبنان وفلسطين ثم دارفور في السودان. 6- إخفاق الفلسطينيين في تحقيق وحدتهم الوطنية، وإعادة تنظيم البيت الفلسطيني، والاتفاق في ما بينهم على برنامج سياسي واحد يحدد مطالبهم ووسائل تحقيقها وكيفية التعامل مع الواقع الجديد في المنطقة وفي العالم. هذا الإخفاق أضعف موقفهم على الأصعدة كافة فلسطينياً وعربياً وعالمياً. وفقدت الانتفاضة والقضية الفلسطينية عدداً من مؤيديها الذين كانوا يساندونها ويقدمون المساعدات المادية والمعنوية للشعب الفلسطيني، ولذلك مال ميزان القوى لمصلحة إسرائيل في المرحلة الراهنة، وهو ما تحاول أن تستغله لمصلحتها في الجولات الجديدة للمفاوضات بينها وبين الفلسطينيين. ولا شك في أن الاتفاق على الوقف المتبادل للنار الذي تم بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي في مؤتمر قمة شرم الشيخ، الذي عقد في 8 شباط فبراير 2005 في حضور كل من الرئيس حسني مبارك والملك عبد الله الثاني، كان أحد نتائج المساعي التي بذلت لتهدئة الأوضاع بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وهو يمثل في الحقيقة خطوة أولى نحو تحريك عملية السلام المتوقفة منذ سنوات، وهو يمهد للبدء في تنفيذ خطة خريطة الطريق والعودة الى مائدة المفاوضات. غير أن السؤال الذي يطرح نفسه في ضوء الخبرة العربية السابقة مع اسرائيل على مدى نصف قرن: هل تستمر حكومة آرييل شارون في التزامها بما تم الاتفاق عليه، وتنفذه بحسن نية وتعبر هذه المرة عن رغبتها الحقيقية في السلام ولا تلجأ الى نقضه بوسائلها الخاصة كما فعلت في الماضي؟ الدلائل الاولى تشير الى غير ذلك، فقبل أن يجف المداد الذي كتب به الاتفاق بدأت الخروقات له لا سيما من جانب اسرائيل التي أخذت تمارس لعبة المماطلة في تنفيذ ما تعهدت به وأعلنته في المؤتمر المذكور وأمام العالم من اطلاق المعتقلين وفك الحصار عن المدن والقرى الفلسطينية، والانسحاب منها وتسليمها للشرطة الفلسطينية. لكن شيئاً من هذا لم يحدث، وعادت اسرائيل لتطالب بوضع كل القضايا على مائدة المفاوضات من جديد، وهذا الموقف يعني ببساطة ان تعود هذه المفاوضات الى النقطة الصفر. وحتى لا تتكرر أخطاء الماضي وتزداد الأمور تعقيداً، ويفقد الفلسطينيون مزيداً من أرضهم وحقوقهم، وتتسع الخلافات بينهم، عليهم أولاً أن يوحدوا صفوفهم وكلمتهم وموقفهم. والا يثقوا بالوعود المعلنة في وسائل الإعلام والبيانات السياسية، بل أن يحددوا موقفهم وفقاً لما يتم تنفيذه على أرض الواقع وتحقيق مطالبهم وما تم الاتفاق عليه وأهمها: 1- التزام اسرائيل التام وقف اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني. 2- الانسحاب الكامل من المدن والقرى الفلسطينية التي احتلتها بعد أحداث 28 ايلول سبتمبر2000. 3- الإفراج عن المعتقلين والاسرى والسماح بعودة المبعدين ووقف عمليات الاعتقال في الاراضي المحتلة. 4- وقف بناء أو توسيع المستوطنات. 5- وقف بناء الجدار العازل وفقاً لحكم محكمة العدل الدولية وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة وذات الصلة بالموضوع. وأبدت السلطة الفلسطينية ومعها كل فصائل المقاومة تجاوباً عملياً لتهدئة الأوضاع عندما التزمت جميعاً وقف إطلاق النار حتى قبل إعلان الاتفاق عليه في شرم الشيخ. وأعلن الفلسطينيون استعدادهم للعودة الى مفاوضات السلام من دون شروط ولاقى هذا الموقف تأييداً دولياً واسعاً لا سيما من الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الاوروبي. لذلك ينبغي أن تتكاتف الجهود من كل الأطراف العربية والدولية للعمل على تطبيق خريطة الطريق والا تسمح لأي طرف بتعطيل ذلك لأي سبب من الأسباب. إذ ان الفرصة المتاحة للسلام الآن اذا ضاعت قد لا تعوض في المدى المنظور ما يؤدي الى تفجر الموقف مرة أخرى في انتفاضة جديدة. كاتب فلسطيني.