يتوجه حوالي 62 مليون ناخب ألماني الى صناديق الاقتراع اليوم لتقرير مصير حكومة المستشار الألماني غيرهارد شرودر والنهج الاصلاحي الذي اختطه خلال السنوات الثلاث الماضية. ويتوقع خبراء الرأي العام ان تتجاوز نسبة الناخبين المقترعين هذه المرة النسبة التي سجلت عام 2002 وبلغت 79 في المئة لتوازي نسبة عام 1998 التي تجاوزت ال82 في المئة وفاز فيها المستشار شرودر على سلفه هلموت كول بفارق واضح. ويزيد عدد النساء هذه المرة أيضاً عن نصف عدد الناخبين، وتبلغ نسبة الشباب بينهم 26 في المئة تقريباً. ويتنافس 3648 مرشحاً ينتمون الى 25 حزباً على 598 مقعد نيابي. وتفتح اقلاع الاقتراع الساعة الثامنة صباح اليوم وتقفل في الساعة السادسة مساء حيث تعلن أولى الترجيحات. وكان شرودر بادر قبل ثلاثة أشهر الى الدعوة لحل البرلمان واجراء انتخابات قبل سنة من موعدها بعدما لمس عدم دعم كامل لنهجه الاصلاحي من جانب نواب اليسار في حزبه وحزب حليفه الخضر وتهديدهم المستمر بالامتناع عن تأمين الاكثرية النيابية له، إضافة الى العرقلة التي مارستها المعارضة المسيحية والليبرالية لعمل الحكومة من خلال سيطرتها الكاملة على مجلس اتحاد الولايات الالمانية. وعلى رغم ان الشعب الالماني عاقب المستشار وحزبه الاشتراكي الديموقراطي في أكثر من ولاية ورفض الاصلاحات الاجتماعية التي مع ذلك أبدى كثيرون اقتناعاً بضرورتها، وضع شرودر الناخبين أمام خيارين: إما نهجه الاصلاحي الذي يحافظ على الدولة الاجتماعية، وإما نهج المعارضة المسيحية ومرشحتها لمنصب المستشار آنغيلا مركل الذي يقضي على هذه الدولة. وبسبب التقارب الشديد في الأصوات بين معسكري الحكومة والمعارضة تابعت الأحزاب المتنافسة حملتها الانتخابية أمس السبت في سباق مع الوقت لاقناع قسم غير قليل من الناخبين المترددين وبالتصويت لها. وأظهرت الاستطلاعات الأخيرة نشرت بصورة غير رسمية أمس لأن القانون يمنع اللجوء الى ذلك في الأيام الأخيرة ان أياً المعسكرين لم يحصل على غالبية واضحة بعد. وفيما رأى"معهد اللينسباخ"ان المعارضة المسيحية والليبرالية ستحقق اكثرية طفيفة تقدر ب49.5 في المئة مقابل 39.5 في المئة للحزب الاشتراكي الديموقراطي وحزب الخضر و8.5 في المئة لحزب اليسار الجديد، ذكر"معهد ديماب"أن 7 في المئة من الناخبين لا يعتقدون ان مجرى الانتخابات حسم بصورة نهائية مقابل 20 في المئة يعتقدون ذلك. ولم يستبعد بعض المراقبين حدوث مفاجأة تقلب توقعات معاهد الاستطلاع التي اثبتت اكثر من مرة في الماضي عدم دقة كبيرة، ويعتقد ان الناخبين الشرقيين سيرجحون هذه المرة ايضاً الكفة لغير مصلحة الاتحاد المسيحي في تشكيل حكومة مع الحزب الليبرالي. وذكرت المعاهد ان نصف المترددين ونسبتهم 25 في المئة أعلن انه لن يقترع اليوم. ولكن استناداً الى النتائج المتوقع ان يحصل عليها كل من الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديموقراطي مساء اليوم والتي تشير الى احتفاظ المسيحيين بتقدمهم الواضح على الاشتراكيين 41 مقابل 34 في المئة ستنتخب أكثرية الناخبين ليس فقط أول امرأة في تاريخ المانيا لمنصب المستشار الاتحادي، بل ايضاً أول شرقية لهذا المنصب الرفيع، الأمر الذي يشكل أكثر من حدث عادي يكفي مركل لدخول تاريخ البلاد من بابه العريض. لكن فرحة مركل قد لا تكتمل إن لم يحصل حزبها الديموقراطي المسيحي مع حليفها الحزب الليبرالي على أكثرية الأصوات التي يجب أن لا تقل عن 48.5 في المئة كي تضمن غالبية معقولة في البرلمان الاتحادي، وإن لم يتحقق ذلك، ستتحول الفرحة الى غصة كبيرة لأنه سيكون على مركل التحالف مع غريمها الحزب الاشتراكي الديموقراطي، وهو أمر تخشى منه، لأنه سيمنعها من تحقيق برنامج الاصلاحات الجذرية الذي أعلنت عنه، ويسبب لها أيضاً متاعب مع حليفها المسيحي الرئيسي ادموند شتويبر. وسرت في اليومين الماضيين اشاعة بأن الاتحاد المسيحي يفكر في هذه الحالة في خطة تهدف الى فرض إعادة الانتخابات العامة في البلاد، الأمر الذي نفته مركل. وأصبح واضحاً أن شرودر لن يكون مستعداً لدخول حكومة تحالف بقيادة مركل، ويفضل ترك الساحة السياسية لأحد قادة حزبه الجدد. ونفى الناطق الرسمي باسم الحكومة بيلا آندا أمس ما ذكرته إحدى الصحف الألمانية بأن المستشار سينتقل من العمل السياسي الى العمل الاقتصادي، اذ عرض عليه مصرف"انفستمنت بنك ميريل لينش"الأميركي وظيفة بمعاش سنوي مقداره 1.5 مليون يورو. وقال آندا إن الخبر عار عن الصحة تماماً. وفي حال وصول المعارضة المسيحية والليبرالية الى الحكم، يتوقع المراقبون تعديلاً جذرياً في بعض عناوين السياسة الخارجية لألمانيا، خصوصاً في العلاقة مع الولاياتالمتحدة التي سيعاد ترميمها بقوة، وفي العلاقة مع روسيا التي سيجري العمل على خفض وتيرتها. كما أن موقف برلين من إيران وتركيا والصين سيشهد تغيّراً وتعديلاً. أما بالنسبة الى العلاقات مع الدول العربية، فهناك من يخشى أن تفقد الدفء الذي حققته في السنوات الماضية.