بعد مضي عامين على الخطاب الشهير الذي دافع فيه عن"اوروبا العجوز"أمام الجمعية العامة للامم المتحدة، مثيراً غضب الرئيس الاميركي جورج بوش، وادارته بسبب رفضه للحرب على العراق، عاد رئيس الحكومة الفرنسية دومينيك دوفيلبان مجدداً الى نيويورك لتمثيل بلاده في القمة التي تعقدها المنظمة الدولية مثيراً هذه المرة غيظ وزير الداخلية المسترئس نيكولا ساركوزي. فالوعكة الصحية التي اصابت الرئيس الفرنسي جاك شيراك، حالت دون توجهه للمشاركة في الذكرى الستين لتأسيس الاممالمتحدة وجعلته ينتدب دوفيلبان ليحل محله، في بادرة سبق لفرنسا ان شهدت مثلها. فالرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران، انتدب سنة 1992، رئيس الحكومة بيار بيريغوفوا ليحل محله خلال القمة الفرنسية - الافريقية التي عقدت في ليبرفيل، من دون ان يتسبب ذلك في أي تفاعلات. في المقابل لم يكن ممكناً لحلول دوفيلبان على رأس الوفد الفرنسي في قمة نيويورك الا ان يوظف داخلياً، كون فرنسا على عتبة حملة انتخابات رئاسية عام 2007 تقض مضجع ساركوزي وتجعله يوظف كل جهده وديناميكيته لخوضها مرشحاً عن اليمين الفرنسي، والحؤول دون حصول دوفيلبان على هذا الترشيح. وسط هذه الاجواء اعتبرت بعض الاصوات الاعلامية الفرنسية انه لو كان شيراك اراد تكريس دوفيلبان كمرشح لخلافته في الانتخابات المقبلة، لما كان وجد سبيلاً افضل من تكليفه بالتوجه الى نيويورك نيابة عنه. فهذه الرحلة عبر الاطلسي تضفي على دوفيلبان المكلف بانقاذ الاشهر الاخيرة من ولاية شيراك الرئاسية، بعدما اصابه من جراء رفض الفرنسيين للدستور الاوروبي في أيار مايو الماضي، صفة المرشح الشرعي والطبيعي لانتخابات 2007. وعلى مدى ثلاثة ايام يتولى دوفيلبان في نيويورك عقد اللقاءات وبحث الملفات المعتبرة حتى الآن هكراً على شيراك، مع رؤساء دول وحكومات العالم، ومنها موضوع الارهاب وحقوق الانسان والتطور، وسيسعى الى تعبئة الاسرة الدولية حول اقتراح الرئيس الفرنسي فرض ضريبة على بطاقات السفر لتمويل مكافحة مرضى"الايدز". ومن المقرر ان يدلي دوفيلبان بخمس مداخلات خلال اعمال القمة، ويعقد سلسلة لقاءات منفردة مع عدد من المشاركين في القمة وعددهم 150 رئيساً ورئيس حكومة. وصحيح ان شيراك تعمد الظهور في مظهر المسيطر على الامور عبر اتصالات هاتفية عدة اجراها مع بعض نظرائه وعبر عمله مع دوفيلبان في مكتبه في قصر الاليزيه على الاعداد لرحلة الاخير الى نيويورك. لكن هذا لا يلغي البعد الرمزي لوجود دوفيلبان في نيويورك ولن يحول دون جذب الانظار اليه نتيجة اناقته وبراعته الكلامية، مما سيعزز الصورة الايجابية التي باتت مكونة عنه لدى الفرنسيين، وايضاً موقعه على الساحة الدولية. وليس صدفة ان يكون ساركوزي اختار هذا التوقيت لزيارة بولونيا، مشيراً بذلك الى انه يحظى هو ايضاً بقدرة على التحرك دولياً، من دون ان يفوت فرصة الغمز من قناة دوفيلبان بقوله للصحافيين الذين رافقوه:"هل تعتقدون بأن القاء خطاب في الاممالمتحدة يجعل من الشخص مرشحاً للرئاسة بنظر الفرنسيين؟".