رأت الحكومة المصرية ان نمو احتياطي البنك المركزي المصري، الذي اقترب من 22 بليون دولار، وأجواء الثقة التي تسود المناخ الاقتصادي في البلاد في الوقت الراهن، من شأنها تعزيز خطوات الإصلاح النقدي الذي اتبعته منذ توليها مهماتها في تموز يوليو من العام الماضي، بعد مرحلة من التراجع الحاد لهذا الاحتياطي، الذي تآكل إلى حدود 14 بليون دولار. وتتفق الدوائر الاقتصادية والتصور الحكومي حول أهمية هذا المؤشر من مؤشرات الاقتصاد الكلي، في الدلالة على قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة الالتزامات والارتباطات المالية بكفاءة كبيرة، من حيث الوفاء بمتطلبات خدمة الدين العام الخارجي، أو تلبية الاحتياجات الضرورية من السلع الاستراتيجية المستوردة، فضلاً عن تعزيز الجدارة الائتمانية للدولة. وأوضح مصدر في المركزي المصري، ان معدلات النمو الحالية من النقد الأجنبي هي مؤشر على كفاءة أداء السياسات النقدية التي تقود إلى الاستقرار النقدي، مشيراً إلى ان النظام الذي استحدثه المركزي لادارة السيولة المحلية بالنقد الأجنبي، أتاح للمصارف العاملة في السوق على مدار العام بعرض النقد الأجنبي، وتحديداً الدولار، لمواجهة الطلب من دون قيود، حيث مكن"الانتربنك الدولاري"المصارف التي تواجه طلباً يفوق مواردها، من اللجوء إلى السوق المصرفية لتغطية احتياجاتها. وأضاف، أن هذا النظام سمح بالاستقرار النقدي الحالي لانه ربط الطلب العام داخل السوق بالعرض العام فيها، وبالتالي قضى على فرص استغلال حالات الندرة الجزئية لدى بعض أطرافها، لخلق سوق موازية لعرض الدولار، كما كان يحدث في السابق، ما يمثل تعزيزاً للأداء الاقتصادي بوجه عام، ويؤكد تلك الجدارة الائتمانية المشار إليها. فالدولة لا تتمتع بثقة الدائنين في حال طلب الاستدانة الخارجية، إلا متى كان تاريخها الائتماني جيداً، وقدرتها على سداد التزاماتها تضمنها أرصدة احتياطاتها الضخمة من النقد الأجنبي. ولفت المصدر إلى أن المركزي يحرص في تقريره الشهري على مقابلة الرصيد بمستوى تغطيته الاحتياجات من معدلات الواردات السلعية شهرياً، والتي ارتفعت حالياً إلى عشرة اشهر ونصف الشهر، مقارنة بنحو ثمانية اشهر ونصف الشهر في مطلع العام الجاري. واعتبر محافظ المصرف"المركزي"الأسبق علي نجم، أن ما وصل إليه الاحتياطي من النقد الأجنبي لدى المركزي دليل قوة."فهو يعني مزيداً من القدرة على مواجهة متغيرات الميزان التجاري، التي كانت في السابق سبباً لاستنزاف هذا الرصيد، بعد أن تحول عدد من المستوردين إلى حال من النهم الاستيرادي في أعقاب ما واجهته منطقة جنوب شرقي آسيا من أزمات اقتصادية، دفعت إلى خفض هائل في أسعار منتجاتها، ما أدى إلى تدفقات هائلة من هذه السلع إلى الأسواق المجاورة. ومن ثم فإن نمو الاحتياطي، إضافة الى ترشيد السياسة الاستيرادية، بعدما تراكمت خبرة الفترات الماضية لدى التجار، أديا الى استمرار وضع النمو في تلك الأرصدة وترشيحه للاستمرار لفترة من الوقت". وأضاف نجم انه"لا توجد مؤشرات على استهداف المركزي تنمية هذا الرصيد على حساب أرصدة النقد المحلي، من خلال آلية"الانتربنك الدولاري"، التي استحدثها أخيراً نتيجة الوفرة في أرصدة الاحتياطات بالعملة المحلية، واضطراره الى تحويل جزء منها الى المصارف لاستخدامها في عمليات شراء الأذون والصكوك المحلية. واستبعد تدخل المركزي مشترياً للدولار بهدف مراكمة الاحتياطات الأجنبية، مؤكداً انه يعمل على ضمان سير القواعد التي وضعها لنشاط السوق. في المقابل، قلل الخبير المصرفي نبيل حشاد من حدوث تآكل جديد في رصيد احتياطي النقد الأجنبي بعد فترة النمو الحالية، لافتاً الى"ان معدلات الطلب على الدولار لا تعبر عن ذلك، خصوصاً ان الطلب يحتاج الى نمو في الاستهلاك غير قائم حتى الآن. وفي حال وجوده لن يمثل ضغطاً فورياً على أرصدة الاحتياطي، ما يعد فرصة لاستخدام المركزي لما في حوزته من أدوات بما فيها جزء من هذا الرصيد، من دون تعريض الاستقرار النقدي لأي هزات".