أخيراً لقيت جزمة أحلامي"، بهذه العبارة ينتهي الإعلان في المحطة الإذاعية ذات اللون الشبابي، لقد وجد الشاب ضالته المنشودة، ليس فتاة جميلة يحبها، ولا سيارة فارهة يمتلكها، ولا حتى أكلة هنية يبتلعها، إنها جزمة حذاء. والأدهى من ذلك أنها"جزمة شخصية"أي أن صاحبها هو الذي يختار لونها وموديلها، بل والكلمات كذلك التي تكتب عليها. وعموماً، فإن"كله بثمنه"، فأن ينتعل الشاب أو الشابة"حذاء"لا ينتعله غيره في مصر ولا حتى على كوكب الأرض أمر مكلف، وكما يقال في مصر"الغاوي ينقط بطاقيته"أو بطاقية والده في مثل هذه الحالة. واللافت أن المحل المعلن عنه، والفرع تحديداً الذي يقدم خدمة"الجزمة الشخصية"وهو يتبع إحدى الشركات العالمية في مجال تصنيع أحذية الرياضة، يلقى رواجاً بالغاً من موقعه في المركز التجاري الضخم. وهذا"الحذاء الشخصي"لا يكتمل إلا بفتاة جميلة، أو ربما مجموعة فتيات جميلات يحطن بصاحب الحذاء، ليزدنه"روشنة"و"مكانة"، وهو الأمل الشبابي الذي يتضح مثلاً من إعلان آخر تلفزيوني فضائي عن شاب"مسكين"يجلس وحيداً على شاطئ البحر، يضع نظارة نظر سميكة ويمسك بمجلة"ميكي"يقرأها بنهم. وفجأة تظهر أربع فتيات فاتنات رشيقات بملابس البحر يتجهن إليه رأساً وهو لا يكاد يصدق عينيه، ويتوقفن أمامه في طابور، وتسأله كل واحدة: هل لديك ما نضع فيه ملابسنا بينما نسبح؟ فيهز رأسه نافياً. وتتوالى الأسئلة:"هل لديك.. هل لديك..؟"، وقرب النهاية، تبدأ الدموع تسيل من عينيه، ففرصة عمره تتبخر أمام عينيه، وحين تسأله الأخيرة إذا كان لديه خط تليفون محمول كذا ليتحدثن منه، لم يتحمل، فأخذ يصرخ ويقطع ملابسه، فهو الشاب البعيد عن"الروشنة"الذي قلما تتوافر له فرصة مجرد الحديث إلى مجموعة كاملة من الفتيات، فإذا بالحظ العاثر يطيح بهذه الفرصة الذهبية. ولأن الفرصة الذهبية لا تتكرر كثيراً، فإن الإعلان التالي يقدم فرصة ألماسية وليست ذهبية لاكتمال الصورة التي يتوق إليها الملايين من الشباب من"معدومي الفرص".."ما تفكرش مرتين، اشتري بيتزا.. كذا.. وخربش الورقة، يمكن تكسب سيارة جيب شيروكي"، ويتهافت الشباب المسكين من"منتظري الفرص"على أكل البيتزا التي يبلغ سعر الحجم الكبير منها نحو 20 في المئة من متوسط الراتب الشهري لخريج الجامعة، ويخربشون وينتظرون، والسيارة الجيب الشيروكي لا تأتي. وفي انتظار الشيروكي، يبحث الشاب في الصحف عن فرصة عمل، ويجذبه هذا الإعلان:"تعلم مهنة المستقبل: إصلاح وصيانة الهاتف المحمول، واضمن عملاً بمرتب مجزٍ عقب التخرج"، الطريف أن التخرج هذا يتم بعد أسبوعين، في حين أن الراتب المجزي لا يتعد الپ150 جنيهاً. مثل هذه الأحوال بالطبع لا تسمح للشاب بأن يحلم مجرد الحلم بالزواج، وما يعنيه ذلك من دفع مهر، وشراء شبكة، وتجهيز شقة وغيرها من كلفة الزواج المعروفة، لكن يأتي إعلان آخر ليحل علينا"وهو برنامج إعلاني مسابقاتي أيضاً"يقدم نصائح خاصة بالديكور، وفستان الفرح والمطلوب الاشترك في مسابقة البرنامج، وفي حال كسب المشترك، تتكفل الشركات المعلنة بكلفة الفرح. وإلى أن يفرجها الله سبحانه وتعالى ويجد الشاب اسمه فائزاً لپ"يكتب الكتاب ويعلي المقام"، يلجأ إلى الترفيه عن نفسه حتى لا يموت كمداً. والحمد لله أن حفلات الصيف الغنائية كثيرة، وهي إن كانت أسعار تذاكرها باهظة بعض الشيء، فليست هناك مشكلة، فعليه أن"يبلبع"عشر"كانز"CANZ من مشروب غازي معين أو عشرين زجاجة ويقدم الأغطية العشرة أو العشرين ليحصل على تذكرة في دقائق. وهناك من الدقائق أيضاً ما يمكن مقايضتها بتذاكر سينما، وذلك تحت شعار"إديها دقائق تديك سينمات"، أو أدخل على شبكة الانترنت من خلال الخدمة المقدمة من إحدى الشركات، وكلما زاد عدد الدقائق تأهل المستخدم للحصول على تذاكر سينما مجانية. وفي حال تعذر استخدام الانترنت لعدم وجود كومبيوتر مثلاً، يمكن للشاب أن يلجأ إلى إحدى الفضائيات ليمضي وقته ويتسلى ومنها أيضاً للترفيه وربما المكسب، فهناك المحطة الغريبة التي تعمل فيها مجموعة من المذيعات العجيبات ويمضين الوقت في استقبال المكالمات الهاتفية للمشاهدين، وغالبيتهم من الشباب، للرد على سؤال المسابقة الذي يكون مكتوباً على جانب الشاشة، والأسئلة أغرب من المحطة وأعجب من المذيعات وتكون على غرار:"لماذا جرى الأرنب أمام السيارة ولم تلحق به؟"، أو"لماذا رفضت النملة دعوة الفيل إلى السينما؟"، وتأتي الردود، وتعلن المذيعة أن المشترك كان أوشك على الإجابة الصحيحة، لكنه أضاع 50 ألف دولار، وتستمر المسابقة. وإن تأكد الشاب أن حظه عاثر وأن موضوع المسابقات هذا غير مجد، فأمامه أحد حلين: إما أن يلجأ إلى فضائية أخرى يرسل إليها رسالة معتبرة SMS من طريق هاتفه المحمول ليعرف أمام ملايين المشاهدين تقويم قصة حبه مع ابنة الجيران أو زميلته في الجامعة، فيجد مثلاً أسفل الشاشة أن احتمالات نجاح علاقة تيمور وجمانة سبعة في المئة، لأن تيمور دمه ثقيل، وجمانة سطحية ومادية، أو أن علاقة فتحي وحسنية ستنجح بنسبة 97 في المئة لأن فتحي"واد حبيب"وحسنية"بت جدعة"، وهكذا.