جولة بصرية على أقدام الشباب في شوارع القاهرة مع التدقيق في ما ينتعلونه، تغني عن الكثير من الكلام. إذ ان الصرعة الجديدة التي تسود بين الشباب المصري حالياً، لا تحتاج الى تعليق: موديلات غريبة من الأحذية ذات النعال المطاطية أو المقدمات المعدنية أو المصنوعة من جلود الزواحف... الى أخرى ذات ألوان صارخة مثل الأصفر والبرتقالي والأحمر والليموني واحياناً يكون الحذاء الواحد بألوان عدة متداخلة. فيما يقول بعضهم ان "ستايل" الحذاء ودرجة لمعانه يكشف المستوى الاجتماعي لمنتعله وحالته الاقتصادية، يرى آخرون انه يعبر عن ثقافة التفاهة التي روجت لها الاعلانات الى جانب سعي الشباب الى تقليد النماذج الطريفة من نجوم الفن والرياضة. حذاء أحمد منير طالب جامعي لونه هافان بني عسلي، كعبه عال ورقبته طويلة، أشبه بأحذية رجال الاطفاء. ويرى أحمد أن مسايرة أحدث صرعات الموضة خصوصاً في ما يتعلق بموديلات الأحذية أمر حسن. ويضيف: "من غير المعقول ان انتعل حذاء كحذاء جدي! ولا أرى عيباً في ذلك طالما أن الحذاء يريح قدمي ويتناسب مع ما أرتدي من ملابس "كاجوال". وأفضل دائماً شراء الأحذية المستوردة فهي أكثر "روشنة" من الأحذية المصرية". ويشير منير طالب جامعي الى أنه لا يجد مبرراً لانزعاج البعض من ارتفاع ثمن الحذاء المستورد الذي يراوح بين 1200 و7000 جنيه مصري، مؤكداً أن "الغالي دائماً ثمنه فيه"، وأن والده صاحب معرض سيارات ومتفهم لأهمية ارتداء نجله لحذاء يناسب مستواهم الاجتماعي. الا ان وضع آدم رشدي طالب ثانوي مختلف، ويقول: "حاولت أكثر من مرة اقناع والدي بضرورة أن يشتري لي حذاءً رياضياً احمر اللون مثل ما يرتديه لاعب الكرة ابراهيم سعيد، لكنه رفض من دون ابداء اسباب. ولكن والدتي وعدتني بأني لو نجحت هذا العام بتفوق، ستشتري لي هذا الحذاء الذي يصل ثمنه الى ثلاثة آلاف جنيه مصري". وفي المقابل يرى وائل محمود، طالب آداب في جامعة عين شمس، أنه يفضل شراء الأحذية ذات الألوان الصارخة كالاحمر والبرتقالي لا سيما أنها تلفت انتباه زملائه. ويضيف محمود: "لا تقف امكاناتي المادية المتواضعة حائلاً دون مسايرتي للموضة فألجأ غالباً الى شراء الأحذية التقليدية المصنعة من الجلد الاصطناعي والمتوافرة في أسواق العتبة والموسكي والشواربي بأسعار من 20 الى 50 جنيهاً". ويذكر محمود انه تعرض للسخرية من اصدقائه في الكلية قبل عام عندما كان يحرص على ارتداء الحذاء الاسود البسيط فأصبح لقبه "ولد بيئة". ومنذ ذلك الوقت وهو حريص على مسايرة الموضة في كل شيء بما يتوافق مع إمكاناته. واذا كان محمود مؤمناً بالمثل القائل: "ما لا يدرك كله لا يترك كله"، فإن حنان حسن طالبة جامعية تعرضت الى موقف حرج بسبب هذا المثل: "ذات مساء كنت مدعوة الى حفلة عيد ميلاد إحدى صديقاتي واكتشفت أنني لا أمتلك حذاء يتناسب مع فستان السهرة الذي استعرته من صديقة اخرى، وهداني التفكير الى شراء حذاء من الجلد الاصطناعي رخيص الثمن، واثناء وجودي في الحفلة فوجئت بنعل فردة الحذاء اليمين ينفصل عن "الوش" وتغامز المدعوون وتباروا في تعليقاتهم الساخرة، "انت السندريللا، واين الأمير، وأوعي تسيبينا قبل الساعة 12". وكان ان انتهت حنان بأن عادت الى منزلها وهي تحمل حذاءها في يدها، بعد ان انسحبت من السهرة. وتقول غدير صادق طالبة جامعية: "ابحث دائماً عن الجديد والمتميز خصوصاً في مجال الأحذية لإيماني الشديد بأن الحذاء الجيد يظهر أنوثة الفتاة ورشاقتها. وعلى رغم هوس غالبية الفتيات في اقتناء احذية بكعب عال، إلا أنني افضل الاحذية من دون كعب التي غالباً ما تشبه أحذية الرجال من حيث الضخامة، لانها عملية ومريحة ولا تسبب لي أي مشكلات سواء في ذهابي الى الكلية أو لدى وجودي في المواصلات العامة وإن كنت اتعرض بسببها الى بعض المعاكسات، لكن لا اتوقف أمامها فهي تصدر من أشخاص سطحيين لا يهتمون سوى بالشكل من دون المضمون". ولم تتوقف صرعة الأحذية عند جيل الشباب بل امتدت الى واجهات محلات الأحذية سواء في المناطق الراقية أو الشعبية في مصر. وأصبحت الواجهات تعج بأسماء في غاية الغرابة على غرار "تشرشل، الدبابة، البلدوزر، روجرز، بيستون، دونغ ريدوينغ وغيرها". أما في الواجهات المخصصة للسيدات فهناك اسماء "الشياك، الكوليدج، تروبيكا وغيرها". ويفسر أشرف عبدالعظيم صاحب محل أحذية ما يحدث بقوله: "السوق المصري يشهد صراعاً من نوع جديد نتيجة مزاحمة الأحذية المستوردة من ايطاليا وفرنسا وانكلترا وجنوب شرقي آسيا كأندونيسيا وماليزيا والصين وغيرها. الحذاء المستورد يمتاز بموديلاته المتطورة وألوانه الصارخة ما يجذب إليه قطاعاً كبيراً من جيل الشباب المهووس بكل ما هو أجنبي، على رغم أن الحذاء المصري يمتاز بالمتانة إلا أن موديلاته تفتقد لروح العصر". ويشير عبدالعظيم الى ان "هناك من الشباب من يلجأ الى طلب تفصيل موديلات غريبة لأحذية يضع تصميمها من وحي خياله وغالباً ما تكون من جلود الزواحف كالتمساح والثعبان او بها أكثر من لون مثل حذاء المطرب الشعبي شعبان عبدالرحيم". وعن أسباب انجذاب الشباب نحو موديلات الاحذية الغريبة، يقول استاذ علم النفس يسري عبدالرحمن: "ان اتجاه الشباب لاستخدام حذاء غريب الشكل أو ذي ألوان صارخة مرجعه حالة عدم الاستقرار النفسي التي يعيشها الشاب نتيجة لشعوره بالتهميش من قبل المحيطين به الى جانب تعلقه بنجوم في الفن والرياضة وغيرهم يتخذهم قدوة ويسعى لمحاكاتهم في كل شيء اللبس والمظهر، وهذا نوع من الثقافة الفرعية التي يستمدها الشاب من برامج التلفاز وما تروج له الاعلانات التي دخلت الى سلوكيات الشباب".