يعتبر اسم جولناي Zsolnay من الأسماء المعروفة في أسواق الخزفيات والسيراميك على صعيد عالمي، وقد حازت منتجات معمل جولناي على هذه السمعة بسبب المستوى الفني الراقي والابتكارات التي تميز هذا المعمل الواقع في مدينة بيتش المجرية الجنوبية. تأسس المعمل في العام 1865 على يد فيلموش جولناي الذي اشترى"المانيفاكتورة"التي أسسها أبوه ميكلوش جولناي سنة 1852 لصنع القرميد وما شابه من مواد بناء بطرق يدوية بدائية، بعد وصولها حافة الإفلاس. وبدأ ميكلوش على الفور بتطوير الورشة وتجريب أنواع جديدة من الطلاء الزجاجي، وقام باستكشاف مصادر الطين المناسب لصناعة السيراميك، وفي سنة 1866 سجل وجود 80 نوعاً مختلفاً من الطين حول مدينة بيتش. كان أول نجاح للورشة في معرض فيينا الدولي سنة 1873، إذ حصل فيلموش جولناي على وسام القيصر فرانس يوزف والميدالية البرونزية. تلى ذلك الفوز بالميدالية الذهبية في معرض باريس العالمي سنة 1878. وساهمت الورشة بعدد من النماذج مثلت مختلف الاتجاهات الفنية في ذلك الوقت، مثل النماذج الكلاسيكية التأريخية والرسوم القوطية وتماثيل عصر النهضة وقطع تتميز بالنقوش التركية والفارسية أو الصينية واليابانية وكذلك الأسلوب المعروف باسم"بانونيا"المستند إلى اللقى الأثرية التي عثر عليها في منطقة بانونيا الواقعة غرب المجر أثناء الحكم الروماني وتعود إلى العصر البرونزي، وعلى الخصوص النماذج الكلتية المتميزة بحرفية في غاية الروعة والدقة. تطورت الأمور بعد ذلك وراحت طلبات السيراميك تنهمر من انكلترا وفرنسا وروسيا وأميركا، وابتكرت ورشة جولناي المزيد من الألوان وتقنيات السيراميك، وتعين عليها منافسة معمل منتون الإنكليزي ومعمل البورسلين الملكي في برلين. وتوصل العلماء الذين تعاونوا مع الورشة إلى تزجيج السيراميك في درجات حرارة عالية. وساهمت ابنتا ميكلوش جولناي، تَريز ويوليا، في تصميم وابتكار أشكال ونقوش فنية تركزت بالدرجة الأولى على الفنون الفارسية والمجرية الشعبية. وتراوحت منتجات الورشة خلال أواخر القرن التاسع عشر بين الجانبين الصناعي والفني. وحقق ابتكار ما عرف بتقنية الأيوسين Eosin نجاحات جديدة، إذ ابتكر الكيماوي الشهير لايوش بَتريك وبروفسور جامعة الهندسة فِنسه فارتا هذا النوع من السيراميك سنة 1893. ويتميز الأيوسين بألوان ساحرة، اشتهر من بينها الأخضر والأحمر. ويعني الاسم في الأصل لون الغسق الأحمر. وحافظ المعمل على سر هذا النوع من التزجيج لفترات طويلة، وتمازج مع عبقرية فنانين مجريين معروفين من وزن يوجف ربل-روناي. وتعزز الجانب الفني لمعمل جولناي خلال سيادة اتجاه ما يسمى بالفن الحديث على الفنون التشكيلية والصناعية في أوروبا منذ تسعينيات القرن التاسع عشر حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى. واشتهر المعمل كذلك بما يسمى"بيروغرانيت"، أي الغرانيت الحراري. وهو نوع من السيراميك جرى تطويره في ثمانينيات القرن التاسع عشر ويستدل من اسمه على الصلابة مثل حجر الغرانيت وتقنية فخره في درجات حرارة عالية. ولهذا السبب كان هذا المنتوج المسامي الصلب يقاوم الأحماض والانجماد ولذلك أصبح مفضلاً في المدن، فهو لا يتأثر بالرطوبة ولا بالجو الملوث للمدن الصناعية أي بالأمطار الحمضية. واستعمل أشهر المعماريين المجريين هذا المنتوج في تصاميمهم، من بينهم ميكلوش إيبل وأُدُن لشنر وإمره شتايندل، فغطى بيروغرانيت معمل جولناي الملون سقوف وعدداً من أجمل البنايات الشهيرة وديكوراتها الداخلية مثل كنيسة ماتياش في قلعة بودا، ومتحف الفنون الصناعية ومعهد الجيولوجيا وحمام غَلّيرت وأكاديمية فرنس ليست للموسيقى والسوق الرئيسية في بودابست، والقصر المزخرف وبناية البلدية في مدينة كتشكميت وغيرها. واستعمل هذا المنتوج في صنع المدافئ الخزفية الجميلة كذلك. وتعتبر القطع الفنية التي صنعت في معامل جولناي بين 1895-1920 من أثمن وأجمل المنتجات، وغالباً ما تعرض المزادات العالمية قطعاً فنية راقية منها تباع بأسعار عالية. ومع ذلك كان التركيز الأكبر يقع على إنتاج السيراميك الصناعي بالدرجة الأولى صناعة العازلات الكهربائية على وجه الخصوص مع ظهور الكهرباء والإنارة في مطلع القرن العشرين. ولم يتغير هذا الوضع سواء في وقت الحرب أم السلم، في ظل النظام الرأسمالي أم الشيوعي. إلا أن صلح فرساي وخسارة المجر قرابة ثلثي أراضيها سنة 1920 سددا ضربة شديدة للمعمل، تمثلت في تقلص مصادر المواد الأولية من طين ومعادن خامات تستعمل في صنع الألوان والطلاء المزجج. واستمر التراجع بعد أزمة 1929-1933 الى أن نجح مجدداً في معرض نيويورك التخصصي العالمي سنة 1939 وكان عالمياً بحق، فقد اشترك فيه بعض صاغة الفضة والذهب العراقيين مثلاً. لكن الحرب العالمية الثانية لم تمهل المعمل الوقت الكافي لالتقاط أنفاسه، فأخذت المنتوجات الحربية العازلات الكهربائية تعود إلى الصدارة. ثم جاء تأميم المعمل سنة 1948 ليوجه الضربة الأخيرة أمام أحلام استعادة الموقع الفني البارز السابق. توقف استعمال ماركة جولناي بعد التأميم لغاية 1973، عندما بدأ انتاج السيراميك الفني مجدداًَ، وتزايد الاهتمام بالمعمل وتراثه، وتعاظم هذا الاهتمام في السنوات الأخيرة. وانتقلت ملكية المعمل أخيراً إلى بلدية مدينة بيتش التي قررت تحويل أكثر من 20 ألف متر مربع من الأبنية إلى موقع ثقافي يستضيف مركز الفنون الحديثة ومركز التأريخ الصناعي ومراكز تعليمية وترفيهية وخدمية مثل المطاعم والمقاهي والفنادق كجزء من برنامجها بعد حصولها على لقب العاصمة الثقافية الأوروبية للعام 2010. علاوة على ذلك يتعين على البلدية تشغيل المعمل لمدة عشر سنوات والحفاظ على تراثه الصناعي. ويضم متحف جولناي ومتاحف مدينة بيتش قرابة 12 ألفاً من أعمال معمل جولناي الفنية. وسبق أن احتفلت الأوساط الفنية بالذكرى ال150 لتأسيس المعمل من خلال معرض أقيم في نيويورك سنة 2002، وطبعت مطبعة جامعة يال الشهيرة منشوراً خاصاً في هذه المناسبة. يقع المتحف في واحد من أقدم الأبنية في مدينة بيتش، إذ يعود تأريخه إلى سنة 1324. ويفتح أبوابه بين العاشرة صباحاً والسادسة مساء، وفي نهاية الأسبوع بين العاشرة والرابعة، ويغلق أيام الإثنين كالعادة، فالإثنين هو عطلة المتاحف في المجر.