تعود بنا خزفيات الفنان الأردني حازم الزعبي، المسكونة بغبطتها البصرية، الى الجذور التاريخية لتراث الأجداد بمحاكاتهم لغة الطين في زخارفهم ومنمنماتهم وتعاويذهم المُكتشفة مع الحفريات الأثرية المنتشرة في كل مكان من ربوع بلادنا الجميلة. إلا ان الفنان الزعبي لم ينسَ ان يضفي مسحة الحداثة على أعماله الخزفية التي يصرّ على عرضها في محترفه ويتنقل بها من معرض الى آخر، سواء منها المسطحات الجدارية، المربعة، أو الدائرية، أو تلك التي جعلها قابلة للاستخدام، اضافة الى قيمتها الجمالية والتزيينية كالصحون الدائرية، أو المزهريات، أو الأكواب، أو الأباريق، وقد شغل سطوحها بالأشكال والرموز الميثولوجية الحيوانية والنباتية أو الأثلام والكتابات والحروفيات التي تحيل الى الآرامية أو السريانية، أو العربية القديمة. وهو في كل هذا وذاك تعامل مع مادته الأساسية الطين بحب. فهذه المادة الحنون، المطواع ترتبط بذاكرتنا الوجدانية بوشائج عميقة، تجعل منها رموزاً ملغزة، غامضة، نابضة بالحيوية والحياة... وهو في كل هذا ينحاز الى ذاكرة الكهوف البدائية في حضارات المنطقة، المغرقة في القِدم، وبعد اعادة صوغ اعماله بأنامله المتدربة، وأحاسيسه المتدفقة يضفي عليها لبوسه الشخصي، وصياغاته التشكيلية، التعبيرية المحدثة، التي تؤكد توصّله في بحثه الى صيغة فنية خاصة تجمع على نحو خلاق بين موروث الذاكرة والطابع التشكيلي التعبيري المحدث وهو برز على نحوٍ واضح في جدارياته الخزفية ذات الهوية الخاصة. وتوزعت تكويناته المتآلفة على مساحات منتظمة تظهر التناسق الجمالي، والتوازن المطلوب بنسبه الذهبية. اللافت في هذه اللوحات الخزفية، انحسار أغطية السيراميك المزججة لمصلحة لغة الطين، التي تبدو بأرديتها الطبيعية أكثر انسجاماً وتآلفاً، وحنّواً خصوصاً بسبب ألوانها الترابية ومشتقاتها المتدرجة وهي تعكس الحس المرهف للفنان ودهشته الطفولية التي تفصح عن أفكاره الحرة الطليقة، وهذه تعبث بلغة الطين بلا خوف أو حواجز، في سياق تشكيل التكوينات المتنوعة على اختلاف قيمها التعبيرية والتشكيلية. تترفع كائنات الزعبي الخزفية في اشكالها وتنويعاتها المختلفة وفي شكل خاص لوحاته المربعة أو الدائرية عن الغايات الاستخدامية لترتقي الى مستوى القيم الفنية الخالصة. فالقطعة لديه فنية متفردة بذاتها، بعروقها اللونية، وزخارفها الحروفية، وأخاديدها، ومفاتنها البصرية. ولأنها كذلك، يبدو من الصعب على الفنان تكرارها، أو استنساخها. وهذا ما يشكل المسافة الفاصلة بين العمل الفني النابع من لحظة اشراقٍ ابداعية، وبين العمل الحرفي الذي تفرض الحرفة امكان تكراره في كل لحظة. اللافت في أعمال الزعبي، تلك المجسمات ذات الكتل النافرة، التي هي أقرب الى المنحوتات الخزفية، التي يرصفها الفنان بكل ثقلها بعضها الى جانب بعض لتشكل في مجموعها ذاك التآلف الذي يرمي اليه بلوحته الخزفية الدائرية أو المربعة. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو لماذا لم يستغل الفنان الفراغ، ويوظفه بطريقة تخفف قليلاً من ثقل الكتب التي بدت محشوة بكثافة؟ واذا اردنا تفسيراً لهذه المسألة وخلفياتها فربما يتعلق الأمر بثقافة الفنان البصرية التي تستقي منابعها من جمال الكتل الصلبة الآتية من تراث الأنباط وأوابدهم الأثرية المنحوتة في أعالي الجبال في جرش ومعان... أو ربما بسبب دراسته الاكاديمية في بغداد، إذ من المعروف ان المدرسة العراقية في السيراميك والخزفيات لها جذورها القديمة التي تميل الى الفخامة والثقل والتقشف بالألوان. وبهذا المعنى نجد الزعبي متأثراً بالمدرسة العراقية، وهذا أمر طبيعي. فهو تخرج في اكاديمية الفنون في بغداد عام 1982 وأقام الكثير من المعارض الفردية في بعض العواصم العربية وفي شكل خاص في عمان وبيروت ودمشق والقاهرة. وأقام بعض المعارض في عواصم أوروبية وأعماله محفوظة في عدد كبير من متاحف الفن العالمية.