أفاقت ً أميمة 23 عاماً يوماًمن حلمٍ قضّ مضجعها وجلست على أريكتها تنظر الى ابنتها الوحيدة التي ناهزت السنتين نظرة الشفقة والقلق من المجهول. كانت أميمة تزوجت من أحد الشبان الذين يدعون أنهم من"رجال الأعمال"، من دون أن تعلم أي نوع من"الأعمال"يقوم بها، فقد كان يختلق الأكاذيب مدعياً انه وكيل لإحدى الشركات العالمية. أغرتها أمواله وحساباته الموهومة في المصارف فبنت برجاً عالياً من الأوهام، أوقعها في ما بعد في بحر من الخيبة. بدأت أميمة تروي قصتها وقد اغرورقت عيناها بالدموع:"اعتقدت انني سأعيش عيشة هانئة الى جانب رجل لن يجعلني احتاج الى شيء، فإذا بي أكتشف انه يتاجر بأعراض الفتيات ويقبض الثمن حتى وصل به الأمر الى زوجته وعندما اكتشفت ذلك لم أتحمل المكوث معه لحظةً واحدة". هذه حال شابات كثيرات ممن تغويهم الأموال الطائلة في زمنٍ تغيرت فيه المبادئ والقيم وأصبحت المادة تحتل المركز الأول في سلم أولويات الحياة. ان أسباب هذا الانحطاط الأخلاقي تعود الى الاطار الثقافي الذي يحدّد الأدوار الجنسية الممهدة لهذا الرباط، من خلال أساليب التنشئة وغرس مفاهيم الزواج والأمومة والأبوة. فكل شاب وفتاة يهيئان لأدوارهما بشكل تضيق معه دائرة الخيارات. ويحرص المجتمع على فرض هذه الأدوار من خلال مختلف جماعات الضغط الخاصة بهذه المسألة، ولهذا لا يملك الزوجان الا التكيف مع الأطر المرسومة والأدوار المحددة. على أن هذا التكيف لا يتخذ طابع الاختيار الحر الواعي، بل هو يتحول نوعاً من التكيف لما يبدو أنه طبيعة الأمور ذاتها، من خلال تمثل التوجهات والأدوار والقيم والسلوكيات بفضل عملية التنشئة المقننة، وعليه تصبح دينامية الحياة الزوجية ومسار الرباط الزوجي ومصيره محكومة بهذا التقنين: من تبعيّة ورضوخ، أو تسلط وفوقية، ومن مرجعيات على اختلافها. ومع الافراط في التقنين تنحسر الأبعاد النفسية الذاتية وتأثيراتها الى حد بعيد في تكوين الرباط الزوجي ومساره. فالأهل هم الذين يحددون الخيارات الزوجية، وهم الذين يتخذون القرارات الخاصة بها من خلال سلطتهم المرجعية على الأبناء. والزواج يخدم في هذه الحال مصالح الجماعة من مصاهرة، وأحلاف مع الخارج، أو تعزيز الروابط ضمن الأسرة الممتدة في الداخل. ويكاد الأبناء يصبحون أدوات لخدمة هذه المصالح. وهم يحظون بالرضى والامتيازات طالما امتثلوا لهذه الأدوار. والا فإن مختلف الضغوط تمارس عليهم من حرمان، ونبذ، واستبعاد وصولاً الى حد سحب الاعتراف بهم. هذه الأسس قد تكون ايجابية توفر التوافق، أو سلبية تطلق حالات سوء التوافق الزوجي، من دون أن يكون للطرفين أي خيار. يقول الدكتور مصطفى حجازي في كتابه"الصحة النفسية"ان"دراسة حالات الطلاق والتصدع الأسري الصريح، تشير الى انه لا يندر أن يكون الزوجان أو أحدهما قد نشأ في أسرة متصدّعة بدورها. ينما أولئك الذين ينشأون في أسر مستقرة يتميز مناخها بالنضج والصحة يغلب ان تكون فرصهم في اقامة رباط زوجي كبيرة. وكأننا في الحالتين أمام نوع من التجاذب اللاواعي بين الزوجين المقبلين، وهو ما يمكن فهمه بسهولة بناء على مبادئ وديناميات النمو وعلاقتها بالتاريخ الأسري. وفي ما هذه الحالات، فإن مواقف الأهل تظلّ مؤثرة في أكثر من اتجاه. والحالة الأكثر شيوعاً تتمثل في الأهل الذين يتخذون من أولادهم أدوات لتحقيق رغباتهم وطموحاتهم، كما يتخذون من زواج هؤلاء وسيلة لتحقيق بعض مصالحهم في الجاه أو الثراء من خلال"الزواج الصفقة". أما بعد الزواج، فانّ تدخلات الأهل السلبية قد تحمل العلاقة الزوجية الناشئة أعباء لا يستهان بها، وقد تعرضها للمآزق اذا استسلم الزوجان لهذه التدخلات. وهناك مسألة مهمة أخرى ترتبط بالتكافؤ بين الزوجين، فيكون كل منهما أهلاً للآخر، على الصعيدين: الموضوعي وهو الذي يشيع الحديث عنه ونفسي - ذاتي وهو الذي يظل خفياً. ويتمثل التكافؤ الموضوعي عموماً في السن، والوضع المهني أو الاقتصادي ومستوى التعليم. وتشكل هذه الثلاثية مقومات موضوعية لإمكان اقامة علاقة زوجية متوازنة وقابلة للحياة، فيجد كل من الزوجين مكانة معقولة، لا تكلفه أثماناً معنوية ونفسية، أو حتى مادية باهظة. وإلا فإن احتمالات بروز الصراع والتناقضات تكون هي الغالبة. فالتكافؤ الموضوعي هو الذي يوفر مقومات التوافق والتفاهم. اذا أخذنا السن مثلاً فمن المهم جداً وجود حال من التوازن العمري بين الزوجين حتى ينموان معاً. والا فقد تنشأ حالات من التفاوت في الحاجات والمتطلبات والرؤى والتوجهات. وقد يعاني الأبناء من هذه الحالة، التي تدخل في وضعية التصدع الخفي الحرب الزوجية الباردة، فيصبح الزوج المسن غير متوافر عاطفياً وذهنياً. أو حتى صحياً بما يكفي للتفاعل النفسي النشط. أما المستوى التعليمي فيحدد من حيث المبدأ أفق الرؤية ونوعية النظرة الى الذات والوجود. كما يحدد نوع الاهتمامات والعلاقات. ويشكل التكافؤ الاجتماعي - الاقتصادي موضوعاً مطروحاً بشكل دائم عند النظر في تكوين الروابط الزوجية. الا ان المسألة هنا تظل قابلة للكثير من الاستثناءات اذا توفّرت مقومات التكافؤ على الصعد الأخرى. ويشكل التكافؤ النفسي - الذهني اهم مقومات نجاح الرباط الزوجي، ولو أنه يظل خفياً. الكثير من الروابط الزوجية تنخرط في صراع على المكانة: لمن السيطرة على الآخر، ولمن التحكم والمرجعية؟ وتبرز هذه الصراعات حين يكون احد الطرفين ميالاً الى التسلط العلني الصريح كما هي الحال عند بعض الرجال، أو التحكم التملكي، الخفي كما هي الحال عند بعض النساء، بينما يحتاج الطرف الآخر الى علاقة قائمة على الاستقلالية، أو التكافؤ. وفي حالات كثيرة، يحاول أحد الزوجين اقامة علاقة فوقية - تبعية، بينما يقاوم الآخر هذا الميل رافضاً موضع التبعية، أو الانقياد، ومصراً على الشراكة. ينجح الرباط الزوجي في أمثال هذه العلاقات، ولو الى حين، اذا تكاملت الأدوار: زوج أبوي ومتسلط مع زوجة ترتاح الى دورها الطفلي الانقيادي أو زوجة تملكية متحكمة تمارس دوراً أمومياً مع زوج اتكالي - طفلي. الا ان هذه الحالات تظل معرضة دوماً للتحول مع التقدم في السن ومهمات الأمومة والأبوة، أو تغيّر المكانة العلمية أو المهنية. ذلك ان الحاجات والتوقعات لا تظل ثابتة خلال مراحل المسيرة الزوجية. ومع تحولاتها، قد تبرز التناقضات على شكل تمرد، أو صراع قوة على اعادة تحديد المكانة والعلاقة.