نحن الباحثين توائم الدفاتر والأقلام نختار صحائف الورق مساحات للتعبير عن أفكارنا وقلقنا وتوترنا وأفراحنا وأحزاننا... نختار صحائف الورق لتكون قاعات أعراسنا ومجالس عزائنا. أفقت صباح الخميس بعد ليل طويل في التدوين والتسطير على نبأ عشرات القتلى في أروقة الفنادق وصالات أفراحها في الأردن، فشعرت انسانياً ومن فوق أودية السياسة وشراكها بالحزن يحفر عميقاً في وجداني، وأصبح قلبي فارغاً يتوق لأن يضم هياكل لا يعرف أشخاصها ولا يستشف ملامح وجوهها... وفجأة أصبح للوجه ملامح وللشخص اسم حين عرفت أن ابنتك، يا صديقاً لا يعرفني، هي واحدة من عرائس الموت. واسمح لي، وأنا لا أعرف مكاناً أقصدك فيه لأشاركك جرح القلب وغصة الروح، بأن أجعل الورقة هي المكان، هي الديوان الذي تجلس في صدارته لتشهد أسراب صحبك وعشيرتك وعشاق فنّك وكل الأطفال الذين يحفظون حوارات أعمالك السارية في الأجيال ينهضون من خطوط الطول والعرض، يحمل كل واحد منهم وردة في يده يريد أن يواري بل يواسي بها الجسد الفتيّ القتيل... انه مشهد صامت في سياق فيلم مجنون. لا تحزن يا صديقاً لا يعرفني، وعسى يواسيك أن تعلم بأن أنين حزنك يجاوبه صدى في مئات قلوب تعرفك، وعسى يواسيك ان تعلم بأن واحداً من الأفلام التي قدمت جعلك جزء الذات وجزء التاريخ لآلاف من البشر يعرفونك ولا تعرفهم، وانهم اليوم عيونهم اليك رانية وقلوبهم اليك حانية، يقاسمونك اللحظة، فالتفت واجعل قلوب محبيك مدىً لمدّ قلبك. * كتبت الباحثة الأكاديمية اللبنانية سعاد الحكيم هذه الرسالة الى مصطفى العقاد قبيل رحيله وغداة وفاة ابنته ريما.