لا تزال قضية اجتثاث البعث موضع خلاف بين الأطراف العراقية، على اختلاف توجهاتها السياسية، لكن معظمها يتفق على "محاسبة المجرمين من أعضاء الحزب الذين يثبت ارتكابهم جرائم بحق الشعب العراقي". وفيما ترفض تيارات حزبية ودينية وشخصيات سياسية شيعية وسنّية وكردية الاشارة إلى أي تسمية حزبية في مسودة الدستور، معتبرة أن لا وجود لما يسمى "البعث الصدامي" كما جاء في المسودة، تصر تيارات أخرى، بعضها سنّي على "تحريم البعث" الذي استغله النظام السابق لمصلحته و "ارتكب تحت لوائه العديد من الجرائم". ويبدو أن الأكراد أكثر تشدداً من سواهم في موقفهم من "البعث"، إذ يقول محمد البدري، القيادي في الحزب "الديموقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني، إن "ما ورد في الدستور بالنسبة الى قضية حزب البعث استند إلى رغبة كردية في محاسبة البعثيين وأزلام صدام من المجرمين"، مشيراً إلى انه "لا يمكن بناء عراق ديموقراطي آمن فيه أي إمكان لعودة البعث الذي لا يزال يعمل لاسقاط العملية السياسية". أما شيروان الوائلي، عضو الجمعية الوطنية عن كتلة "الائتلاف"، فأكد ل "الحياة" أن الغالبية المنضوية تحت هذا الاسم مع تضمين البند في الدستور، لأن "اجتثاث البعث الصدامي، قضية وطنية، بعد الأذى الذي ألحقه بالشعب العراقي ويجب أن تتم معالجتها عبر القانون المستند إلى اسس دستورية". وإذا كانت كتلة "الائتلاف" مصرة على معاقبة "البعث الصدامي"، الذي "ألحق الأذى بالمحافظات الشيعية"، فإن تياراً شيعياً آخر هو التيار الخالصي بزعامة جواد الخالصي، ينفي وجود "بعث صدامي" وآخر "غير صدامي"، ويعتبر الشيخ علي الجبوري، الناطق باسم التيار انه "على رغم معاناة العراقيين في عهد صدام فلا يجوز تثبيت أي بند في الدستور يقضي باجتثاث الحزب الذي حكم صدام باسمه، بل ينبغي ان يصار إلى اصدار قانون يحاسب البعثيين بأدلة شرعية وقضاء عادل يصدر حكمه على المجرمين ويعود الأبرياء منهم الى المجتمع". ولفت إلى "أن حزب البعث حكم العراق وهو لم يعتبر الحزب الشيوعي إرهابياً في الدستور، كما ان دستور المانيا لم يذكر مجازر النازية أو يحرمها، لأن الدستور وثيقة عمل الحكومة لمئات السنين، كما ان الآلاف من العراقيين انتموا إلى البعث عنوة". واضاف ان عدداً من الأحزاب "العروبية القومية تملك بصمات ايجابية في العراق، والاشارة إلى اجتثاث حزب بعينه في الدستور يتنافى والحريات". وذكر مضر شوكت، القيادي في كتلة "الائتلاف" عن حزب "المؤتمر الوطني" بزعامة أحمد الجلبي أن "أي تلميح الى اجتثاث البعث في الدستور سيخلف تصدعات في الوحدة الوطنية"، معتبراً أن "القانون يجب ان يكون سيد الموقف في هذا الأمر بالنسبة إلى المجرمين بعثيين أو غير بعثيين"، ومؤكداً أن "المصالحة الوطنية مع البعثيين الأبرياء هي الداعم لأمن العراق واستقراره". وبين كريم العطان، نائب رئيس الحزب "الوطني" الذي يرأسه مشعان الجبوري، أن عبارة "اجتثاث البعث الصدامي مبهمة ويجب وضعها في اطار واضح". وقال ل "الحياة" إن العراق "يمر بأزمة أمنية تستدعي من القيادات السياسية تقريب وجهات النظر بين مختلف الشرائح، بينهم البعثيون، وينبغي تشكيل لجنة وطنية وليس تشكيل هيئة لاجتثاث البعث". واعتبر صالح المطلك، العضو في لجنة كتابة الدستور عن مجلس "الحوار الوطني"، الذي يطالب برفع بند الاجتثاث بشكل نهائي، "اجتثاث البعث اجتثاثاً لملايين العراقيين الذين انتموا اليه ما يفضي إلى تهميشهم في العملية السياسية وزيادة عدد المناهضين للحكومة". ولفت عصام الراوي عضو "هيئة علماء المسلمين" إلى ان معاقبة الناس "على أساس انتمائهم السياسي او الفكري أمر تخلو منه كل دساتير العالم"، وفضّل "اصدار قانون يحرم تأسيس أي حزب على أسس طائفية، وفتح باب الشكاوى على الاجرام الذي تمارسه الأحزاب سواء في نظام صدام أو بعده". وتتحفظ الكتلة "العراقية" بزعامة اياد علاوي على هذا البند أيضاً، فضلاً عن أنها ضد القوانين التي ستصدر لاحقاً بالاعتماد على الدستور الذي يضم عبارات لم يتفق على ماهيتها ومنها "البعث الصدامي". وأشار النائب راسم العوادي إلى ان "حزب البعث عروبي لا يزال يعمل في دول الجوار التي احتضنت المعارضة العراقية لسنوات"، ولفت عماد حسن شبيب القيادي في حركة "الوفاق"، التي تضم بعثيين سابقين إلى ان صدام "اغتال البعث منذ ان أعدم قادته وقاد العراق باسم الحزب"، وقال "الأجدر ذكر اجتثاث حزب صدام أو نظام صدام وإدانة الجرائم التي ارتكبها باسم البعث في الدستور وليس البعث الصدامي". وافادت "الحركة الاشتراكية العربية" بقيادة عبدالله النصراوي إلى ان "اجتثاث البعث هو اجتثاث لعروبة العراق"، وأكد النصراوي أن "لا ضرورة لتكريس التطهير السياسي مع ضرورة محاسبة كل جرم باختلاف انتماءاته".