في عملهما المشترك"طاش ما طاش"يتجاوز الفنانان ناصر القصبي وعبدالله السدحان، فكرة الاضحاك المباشرة، الى لون جميل من كاريكاتورية المشاهد الدرامية، التي تلتصق خلالها الفكرة المقصودة بنسيجها الكوميدي الى حدود تعريتها تماماً، وتقديمها للمشاهد في رسم تتحرر معه من أي عوامل تمويه، فيتمكن بيسر من وضع إصبعه على جرح المسائل الاجتماعية والسياسية التي يقدمها القصبي والسدحان، والتي نراها في"طاش ما طاش"لهذه السنة، وقد أصبحت أكثر رصانة، وأشد التصاقاً بجماليات العمل الكوميدي، خصوصاً ان النسخة الجديدة من المسلسل قدمت بعضاً من أهم معضلات حياتنا وأكثرها حساسية، واثارة للجدل، وتمكنت من الاحتفاظ بالقدرة على جذب اهتمام المشاهد في حوار بصري ممتع ومفيد. حلقات القصبي والسدحان تقوم أساساً على اللوحات الدرامية المستقلة، التي تتحدث كل حلقة منها عن موضوع مختلف، وفي اطار حكاية مختلفة، وهي لهذا السبب بالذات تظل مطالبة بأن تقدم كل مرة معالجة حيوية وذات مشهديات جمالية جذابة، مثلما هي مطالبة كذلك بتنويع ما تعالجه من مواضيع، وايضاً ما يرتبط بها من شكل فني يتعدد بتعدد البيئات المقصودة والأزمنة، والى حدٍ ما شكل الأداء التمثيلي للفنانين ذاتهما، ولمن يشارك معهما من الممثلين الآخرين. ثمة في"طاش ما طاش"هذه السنة انتباه عميق وذكي لبعض من أهم مشكلات حياتنا وأشدها خطورة، كما هي حال مشكلة استخدام"التدين الشكلي"وسيلة لتحقيق غايات دنيوية شخصية. في هذه الحلقة، اعتمد القصبي والسدحان حكاية بسيطة، بل لعلها مألوفة أحداثها أقرب الى الواقعية، أو فلنقل - بلغة الفن - أقرب الى تصديق المشاهد من خلال إلغاء مساحة"الوهم الفني"وازاحة الأقنعة، ووضع المشاهد مباشرة في لحظة تماس مع الحدث المتحرك أمامه على الشاشة الصغيرة، لنصل الى ذروة القص الدرامي كله، في لحظة ملامسة الوعي الداخلي للمشاهد ودفعه لاستخلاص الفكرة من دون خطابية من أي نوع كان. هي بمعنى ما لحظة زج الكوميديا في محيطها الاجتماعي - الانساني، يقدم خلالها صانعو المسلسل عادة مفردات الواقع، المألوفة"والعادية"، والتي نمر بها يومياً في حياتنا، ولكن في إطار كاريكاتوري مكشوف، وقابل للافتضاح. نضيف الى ذلك أهمية حرص القصبي وزميله السدحان على تقديم صورة البيئة - أو اذا شئنا الدقة أكثر - البيئات المقصودة في شفافية عالية امتلكت الكثير من شبه واقعي بالبيئات الحقيقية، وان أضافت اليها ما يلزم من ضرورات الفن. "طاش ما طاش"، جاء هذه السنة، مستفيداً مما حققه صانعوه خلال مسيرتهم التي صارت طويلة، بل ان حلقات هذه السنة بالذات شكلت نضجاً أكبر سواء في اختيار المواضيع وأشكال تقديمها، أو حتى في حرفية الكتابة الدرامية ذاتها، فيما ارتقى ناصر القصبي وعبدالله السدحان ذروة أعلى في الأداء الكوميدي تضعهما في مصاف ممثلي الكوميديا الكبار العرب، من دون أن ننسى الممثل الموهوب يوسف الجراح وتميزه، والذي نعتقد بأن حلقات"طاش ما طاش"قدمت ألواناً متعددة من موهبته الكبيرة، التي لا يزال الكثير منها في انتظار الاكتشاف.