انه تكليف شرعي وواجب وطني". بهذه الكلمات كان اهالي النجف يحضون بعضهم بعضاً للتوجه الى صناديق الاقتراع للادلاء بأصواتهم في انتخابات وصفت ب"التاريخية"، وقد أخفى البعض وجهه فيما علا الجمود وجوه آخرين ورسم فريق ثالث ابتسامة. معظم الرجال بالدشداشة والنساء بالعباءة التقليدية السوداء بينما تتوالى النداءات من مكبرات الصوت في المساجد داعية المواطنين الى الاقتراع"واجبنا جميعاً نساء ورجالاً وشباناً وعجائز ان نعلن رأينا وندلي بصوتنا". وشهدت المناطق الشعبية خصوصاً مدن الجمهورية والحبانية والقبلة اقبالاً كبيراً لحظة فتح صناديق الاقتراع رافق ذلك أهازيج ورفع رايات من قبل اقارب ضحايا المقابر الجماعية والانتفاضة. وكانت الاشاعات لتخويف الناس من الاقتراع تواصلت منذ ليل اول من امس، وتحدث بعضها عن تسميم للبصرة سرعان ما نفته السلطات المحلية. في البصرة الشيعية 600 كلم جنوببغداد التي تعتبر ثاني اكبر المدن العراقية، جالت"الحياة"قبل الظهر على بعض مراكز الاقتراع ولاحظت ارتفاعاً في اعداد الناخبين لا سيما النساء، ووقف امام مركز الاقتراع في اعدادية المعقل للبنين الرجال والنساء في صفوف طويلة ينتظرون دخول المركز. واوضح رئيس المحطة الثالثة في المركز، لؤي المظفر ان الناخب الاول كان عصام جعفر عذاب الذي حضر مع زوجته وطفله سنتان في السابعة صباحا وأحضر معه حلويات. وسجلت"الحياة"شعورا بالارتياح والفرح يسود معظم الناخبين. وقال اسعد عبد الامير 35 عاماً الذي يصوّت للمرة الاولى انه انتخب قائمة"الائتلاف العراقي الموحد"لأنها"تمثلنا"، فيما قالت زوجته زينب 30 عاماً انها صوّتت للقائمة نفسها"لأنها تمثل الشيعة"، ورداً على سؤال عن الخوف من التفجيرات قالت:"لا نخاف، حتى لو مت فهو في سبيل الله". وذكر شوادي طاهر وهو جندي متقاعد انه صوّت لقائمة علاوي. وكان لافتاً غياب مراقبي الكيانات السياسية عن مراكز الاقتراع باستثناء قلة من"المجلس الاعلى"وحزب"الدعوة"وممثلي شبكة المعلومات العراقية المستقلة في كل المراكز. وما ان مضت ساعة على فتح صناديق الاقتراع حتى تعرض مركزان انتخابيان لهجومين بقذائف الهاون في منطقة الجنينة ومنطقة نواب الضباط وسط المدينة لم يسفرا عن اصابات. واعتقلت قوات الامن في وقت لاحق ثلاثة اشخاص يشكلون"خلية"في جامع الحمزة بمنطقة دور الضباط وفي منزل مجاور، وضبطت في حوزتهم منصة إطلاق قذائف هاون. وسمع دوي عيارات نارية متقطعة في وسط البصرة. وتوجهت سيارات الشرطة الى المكان قبل ان يتوقف اطلاق النار. ولم تكن هناك مقاطعة تذكر لعملية الانتخاب إلا في منطقتي الزبير والخطيب السنيتين. ولكنها وصفت بالمقاطعة "الفردية". وقالت انتصار 40 عاماً التي خرجت لتوها من مركز الاقتراع في ابو الخصيب، وهي تستجمع اطراف عباءتها السوداء وعلى وجهها ابتسامة عريضة:"جئت أدلي بصوتي من اجل مستقبل العراق وشعبه... انني سعيدة جداً ان أؤدي هذا الواجب المدني، انه يوم تاريخي يشهده العراقيون للمرة الاولى ويتمكنون من الإدلاء بأصواتهم". وفي الداخل المكتظ بعشرات الناخبين امام الغرف الخمس حيث صناديق الاقتراع في المدرسة اكد مدير المركز ناصر كساب جابر مبتسماً:"كل شيء يجري بشكل جيد وبهدوء كما ترون"، مشيراً الى اعداد الناخبين من النساء والرجال الذين ينتظرون دورهم، واضاف:"الاقبال كبير ونأمل بأن يستمر كذلك وان يمر الاستحقاق التاريخي من دون مشكلات". جواد كاظم 65 عاماً ادلى بصوته معبّراً عن ارتياحه بالقول:"نحن سعداء اليوم ان نتمكن من اختيار حكومتنا... حكومة ديموقراطية وتعددية سياسية من دون حزب البعث الذي كان الوحيد في السابق". ويضيف:"اننا ننتخب من اجل مستقبل الشعب العراقي ومن اجل خير الشعب العراقي". سليم الزبير 22 عاماً وصل مع ابيه وامه وكلاهما أُميان للاقتراع. أخذ يشرح لهما كيف وفي اي خانة يضعان العلامة ويقول:"انتظرنا طويلاً هذا اليوم"مؤكداً انه لا يشعر بالخوف على رغم كل التهديدات التي وجهت الى الناخبين. ولم تشهد ابو الخصيب سوى أحداث بسيطة وثلاثة اعتقالات لكن الوضع لافت بهدوئه كما اكد العسكريون البريطانيون الذي يشرفون على الامن مع الشرطة والجيش العراقيين. اهتمام بريطاني وتفقدت آن كلويد الموفدة الخاصة لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير الى العراق عدداً من المراكز الانتخابية في البصرة قبل الظهر وبعده، والتقت بمسؤولي المفوضية العليا للانتخابات"للاطمئنان على سير العملية". واعتبرت في حديث الى"الحياة"عن سعادتها بهذا"اليوم التاريخي الذي اتاح للعراقيين اختيار ممثليهم بحرية بعد عقود من القمع والاضطهاد". وفي النجف سار المئات بهدوء الى اللجان الانتخابية. وفرضت السلطات أشد الاجراءات الامنية حول المدينة. ونقلت حافلات الركاب المرضى وكبار السن الى بعض اقلام الاقتراع واصطف الناس في طوابير طويلة على الفور وخصص طابور للرجال وآخر للنساء. وقالت الناخبة سعاد سالم في مدرسة العقاد الاعدادية:"سأصوت لقائمة الائتلاف العراقي الموحد لأن السلطة الدينية تدعمها. لسنا خائفين من أي قنابل". ويتوقع أن يأتي هذا الائتلاف الشيعي في مقدمة الفائزين في الانتخابات. وفي كربلاء، قال مصدر أمني في الشرطة:"ان اي خروق امنية لم تسجل حتى الثالثة بعد الظهر". واشار الى ان وتيرة الانتخابات ارتفعت بعد الظهر بعدما اطمأن الناس الى الوضع الامني".