مسيرة المرأة العربية نحو التحرر من القيود الاجتماعية الخانقة طويلة ودامية احياناً كثيرة... ولم تر بصيص نور النهاية بعد. من اطراف الخليج العربي الى جيبوتي وجزر القمر وموريتانيا والمغرب العربي، في كل منها امرأة وقفت وحدها لتحمل لواء التمرد على القيود والكبت، لتصبح اول فتاة وسيدة تدخل ميدان عمل كان حكراً على الرجال فقط. اليوم، بعد عمر طويل من النضال تحتفل المرأة العربية في الأول من شباط فبراير بيومها العربي الخاص بها. فتكرس هذه السنة ايضاً نجاح نضالها لتصبح سفيرة ووزيرة وبرلمانية وتاجرة وطبيبة وقاضية ومحامية... وناجحة في كثير من المهن لم يتخيل يوماً رجل أن تساويه فيها. مسيرة النساء الناجحة بدأت من اليوم الأول الذي قررن فيه خوض الميدان العلمي والتوجه الى المدرسة والجامعة، مع تفاوت نسبة المتعلمات من بلد الى آخر. لم يبدأ التطور النسائي حيثما يعتقد كثيرون، اي في البلدان العربية المنفتحة نسبياً اكثر من غيرها، اذ ان جيبوتي هي اول بلد عربي منح المرأة حق العمل السياسي. كان ذلك في العام 1946، مع انه لم يمنحها حق التصويت في الانتخابات الا بعد اربعين عاماً. ومن الطرافة في مكان ان يكون الكثير من البلدان شرّع حق المرأة قانوناً في العمل السياسي... ولم يدخلها حقاً هذا الميدان الا بعد عشرات السنين، كأنه امتحن قدرتها على تحمل المسؤولية وكافأها، او اضطر الى المكافأة، عبر مناصب في الدولة بقيت محدودة ومعزولة وشبه يتيمة. وعلى رغم ان لبنان منح المرأة حق التصويت والترشيح الانتخابي في العام 1952، الا ان المرأة لم تدخل حقاً البرلمان اللبناني الا العام 1991 وحصلت المرأة السورية على هذين الحقين في العام 1953 فيما دخلت البرلمان بعد عشرين سنة. وكانت المصرية السباقة في دخول المجلس النيابي في العام 1957، وبعد عام واحد فقط على منحها هذا الحق رسمياً.... ولا تزال المرأة العربية الى اليوم تناضل للحصول على هذا الحق في اربعة بلدان أبرزها الكويت. تحرر على مقاعد الدراسة مسيرة المرأة العربية بدأت قبل قرنين، يوم قررت مرسلة اميركية افتتاح مدرسة للبنات في بيروت في العام 1834، ولم تلتحق بها يومها سوى ثماني تلميذات. تبعتها بعد وقت قصير حرم حاكم مصر التي افتتحت مدرسة للبنات في القصر الملكي في القاهرة... وصولاً الى الجامعة الاميركية في بيروت التي فتحت فرعاً لتعليم الممرضات في العام 1908، واستقبلت اول انثى للإلتحاق ببرامجها العادية في العام 1921، الا انها كانت متزوجة، وكان زوجها يرافقها اينما كان في الصفوف والملعب. اما اللبنانية سانية حبوب التي سافرت لدراسة الطب في الولاياتالمتحدة الاميركية في العام 1926، فكانت اول طبيبة لبنانية. رفضت يومها رفع حجابها لرجال الأمن الأميركيين، ووصفت لهم شكلها فقط مقدمة جواز سفرها للعبور لدى سفرها الى بلاد"العم سام". ولما عادت الى بيروت حاملة شهادة الطب العام 1933، وافتتحت عيادة صغيرة من غرفتين، اعتقد الجميع انها فقدت عقلها بعدما علقت لوحة باسمها الذي سبقته كلمة"طبيبة". وانتظرت ثمانية اعوام قبل ان تدخل اليها اول مريضة وتبادرها فوراً بالسؤال:"هل تعلمين حقاً شيئاً عن مهنة الطب؟". اما الدكتورة ادما ابو شديد التي تخرجت في الجامعة الاميركية في بيروت العام 1931 لتصبح اول طبيبة تخصصت"محلياً"، فوقفت في وجه عائلتها والمجتمع برمته لتفتح عيادتها وتسكن وحدها في العاصمة اللبنانية. ومن لبنان الى مصر الرائدة في تحرر المرأة في ميادين عدة، برزت اول"نائب"عربية، مفيدة عبدالرحمن التي زوّجها اهلها وهي في التاسعة عشرة من عمرها الى رجل منفتح التفكير والأفق. أنجبت اول طفل وبدأ الضجر يغزو حياتها. سألت زوجها ان يسمح لها بدراسة القانون، وشرعت تبتلع الكتب القانونية وتنجب الأولاد. أربعة اعوام في الجامعة بأربعة اولاد، الى ان تخرجت في العام 1939، وافتتحت اول مكتب محاماة نسائي في القاهرة بمباركة زوجها. كانت مفيدة تعمل من دون اي مقابل مادي، لا بل تتقاضى اتعابها فاكهة وحلوى وازهاراً، الى ان ذاع صيتها وبدأ الناس يرتادون مكتبها. حينها توسّل اليها زوجها ان تترشّح للنيابة وتدافع عن حقوق المرأة بعدما منحت الدولة المصرية المرأة حق الترشيح الانتخابي قبل اشهر معدودة. تولى ابناؤها السبعة حملتها الانتخابية موزعين برنامجها الانتخابي في كل انحاء العاصمة المصرية. ودخلت بالتالي اول امرأة الى البرلمان المصري، وهي لا تزال الى اليوم نائبة نشيطة، تعمل 12 ساعة يومياً. اما اول قاضية عربية فخرجت من بيروت. جورجيت شدياق، سمراء ضعيفة خاضت امتحان القضاء في العام 1960 مع 65 زميلاً لها. نجحت في الامتحان ورُفض تعيينها في اي منصب قضائي، لكونها أنثى. فأنجبت اول طفل لها، وتقدمت مرة ثانية للامتحان، ورُفضت ايضاً. أنجبت ولدين آخرين وكررت خطوة الامتحان مرتين اضافيتين من دون جدوى، الى ان صدر قانون رسمي بضرورة الالتحاق بمعهد القضاء لثلاثة اعوام. فكانت تمارس المهنة قبل الظهر، وتتابع دروس المعهد القضائي بعد الظهر. وتقدمت للامتحان مجدداً في العام 1969 . فعينت رسمياً قاضية واصبحت يومها أول قاضية عربية، عضواً في المحكمتين المدنية وللأحداث. وغالباً ما يعود فضل التحرر النسائي العلمي الى الآباء الذين يشجعون بناتهم ويجرأون على الوقوف في وجه المجتمع. والمصرية حكمت ابو زيد افضل دليل على ذلك. سافرت وحدها اوائل القرن الماضي لتدرس في الخارج وتنال دكتوراه في العلوم الاجتماعية. يومها سمع والدها العشرات يرددون"لماذا سمحت لها بالسفر للتعلم، انت تملك ما يكفي من المال لتتركها في المنزل وتزوجها". وهي عادت الى مصر لتتزوج وتنجب ولدين وتتحول اول وزيرة للشؤون الاجتماعية تعمل جاهدة لتحسين وضع المرأة الريفية عبر برامجها الاجتماعية العلمية. وفي سورية ايضاً، ناضلت ندوة عيسى كثيراً للحصول على منصبها كأول مديرة للمكتب الاقتصادي في حلب ولتمثل سورية في مؤتمرات التجارة في الأممالمتحدة في جنيف. جريئات... لم تقتصر المهن النسائية على المهن التقليدية التي يمكن ان تنافس فيها المرأة الرجل، إذ تجرأت المرأة احياناً كثيرة وخاضت ميادين"ذكورية"بامتياز. فالابتكار والديبلوماسية هما ايضاً مجالا عمل خاضتهما عربيات لأول مرة. ليلى عبدالمنعم، اول مصرية تحصل على وسام الاستحقاق من مؤتمر"غلوبل"الذي يعقد سنوياً في العاصمة البريطانية في مجال الاختراعات الحديثة. وهي ابتكرت جداراً من مادة التيومين والحديد المنصهر لمقاومة الزلازل والصواريخ، ومواسير المياه والصرف الصحي المقاومة للتآكل وفرشاة الأسنان الحلزونية وكمامة الشخير وآلة لقلع الأسنان وفرن للقضاء على الجمرة الخبيثة... وغيرها كثير من الاختراعات. كما تعاقدت مع شركة بريطانية لبيعها 22 اختراعاً، وتبحث في اتفاقات اخرى مع شركات عالمية. وفي لبنان، تميزت سميرة الضاهر بعد المصرية عائشة راتب سعاد سفيرة مصر الى الدانمارك العام 1979 بأنها اول سفيرة لبنانية تمثل بلدها في الخارج. بدأت حياتها الديبلوماسية قنصلاً في استراليا فقائمة بالأعمال هناك وفي الصين. وعملت في سفارتي لبنان في لندن ونيويورك، ومن ثم اعتمدت سفيرة في اليابان ومن بعدها في قبرص. اما في الأممالمتحدة، فكانت مندوبة الكويت الدائمة السفيرة نبيلة الملا أول سفيرة عربية في الصرح الدولي بعدما قدمت اوراق اعتمادها في كانون الثاني يناير 2004 . وانضمت المملكة العربية السعودية الى قائمة الدول التي شهدت"اول امرأة"في ميدان عملي، بعدما اصبحت فاتنة شاكر اول رئيسة تحرير مجلة عربية. ساعدها والداها على تخطي المفهوم السعودي الضيّق المتعلق بالفتيات. حازت شهادة في ادارة الأعمال من القاهرة، وعادت الى وطنها الأم لتعمل في وزارة الشؤون الاجتماعية، ومن ثم في الصحافة. عادت فاتنة شاكر ودرست علم الاجتماع قبل ان تتزوج وتحضر للدكتوراه في الولاياتالمتحدة. سافرت مع زوجها الى سويسرا وكينيا وعادت الى السعودية لتعمل في قسم الاجتماع في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة. هناك، طلب منها تأسيس مجلة"سيدتي"في العام 1980، وباتت اول رئيسة تحرير لمجلة عربية، مسلمة مشعل التحرر الى غيرها من العربيات، تبوأن مناصب وزارية ورسمية في قطرولبنان وسورية وغيرها من البلدان، من ضمن مسيرة نسائية لا يبدو انها ستتوقف او تخاف من اي حاجز وعائق.