بغداد التي أنشئت هكذا، مقسومة على نفسها طبيعيا، ومختلطة ضواحيها بأريافها، وملتبسة الحدود الإدارية ومتغيرتها، تبعاً لطبيعة السلطات التي تتوالى على البلاد، تبدو في وسط العراق الجغرافي، وفي قلبه السياسي، كأنها حائرة الملامح السياسية والولاء، منقادة لمصير خارجي مستديم، وغير قادرة على تحديد خياراتها بنفسها، منذ أن أضحت عاصمة لدولة أنشأتها تصورات المحتل. ولذلك فهي تدفع ثمن هذا التنازع بين مفهومي الدولة ومفهوم الوطن، بين أن تكون عاصمة للعراق السياسي المعاصر والدولة التي أوجدتها ضرورات الصراع الامبراطوري المتلبس بتجاذبات شتى، وبين كونها حاضنة لذاكرة العراق التاريخي، ليس في أذهان أبناء أرض السواد فحسب، بل وفي وجدان العرب وفي التراث الإسلامي والمخيلة الإنسانية عموماً. منذ ان اختارها أبو جعفر على النهر، ثكنة للجند أو داراً للخلافة، بدا أن توصيفها يقوم على ما يجسده موقعها الجغرافي من كون نهر دجلة قسمها إلى ضفتين، وتقوم الجسور بين شطريها، رصافتها وكرخها، والواقع أنه كلما ازداد عدد الجسور بين الضفتين، كلما أمكن رصد تداخلات إضافية تمضي نحوها المدينة عند الأطراف وتمتد لتتفاعل مع ما حولها سلباً وإيجاباً، شرقاً وغرباً، فما أن جرى إنشاء جسر، في اول عهد جمهوري، حتى نشأت مدينة الثورة في شرق العاصمة، وعندما أتى عهد ثوري جديد ليضيف جسراً آخر أضخم، تكونت في الجانب الغربي مدينة المنصور حي 14 رمضان المعادل الحركي لانقلاب 8 شباط فبراير. وعلى مر العهود تتكرس أنواع شتى من الفرز بين عامتها وخاصتها، جندها ونخبتها، جياعها ومتخميها، سكانها الأصليين المفترضين، والوافدين إليها بتراتبية تمنح الأقدم امتيازاً على الأحدث. بيد أن التنوع البشري لم يتحول إلى اندماج مدني كامل، طيلة أكثر من ثمانية عقود مرت على إنشاء الدولة. جدلية تعدد الجسور في المناطق القريبة وتمدد الأحياء في الأطراف البعيدة، تساهم في واقع الأمر، وإلى حد كبير، في منع تكون منطقة انتخابية تمثل بغداد، قبل أن يمنع القانون الانتخابي المعلن نفسه تحقق هذا الشرط. تقليدياً، ومن حيث الظاهر والأعم، يبدو صوب الكرخ، هو الأكثر تواجداً للسنة، فيما يعد جانب الرصافة معقل الأكثرية الشيعية، لكن هذا لا يعني تنميطاًُ عاماً للصوبين، أو الجهتين، فثمة تداخلات من الصعب إيجاد مفصل واضح لتمييزها، بل إن أهم تعبيرين رمزيين في بغداد يعززان هذا التداخل، فمرقد أبو حنيفة النعمان ومنطقة الأعظمية، تقع على الضفة الشرقية لنهر دجلة، أي في جانب الرصافة، فيما يقع مرقد الامام موسى الكاظم ومنطقة الكاظمية في الجانب الغربي، أي في كرخ بغداد، وثمة جسر للأئمة يربط الضفتين. ويمثل مرقد أبي حنيفة بقبته المثلومة من وسطها بفعل القصف الأميركي، ومرقد الإمام موسى الكاظم، أقدم الشواخص، في بغداد، الأضرحة والمساجد هي الحواضن الأقدم بين الرموز في العاصمة. ولذلك ليس من المستغرب أن تكون الجوامع والحسينيات في مدينة الثورة الصدر ومساجد الأعظمية واليرموك هي أماكن الدعاية الأكثر خطورة سواء في شحذ همم المصوتين أو في ثنيهم عن التوجه نحو صناديق الاقتراع. يتجاوز عدد سكان بغداد اليوم سبعة ملايين نسمة، ما جعلها واحدة من بين العواصم الإسلامية الكبرى لجهة الكثافة السكانية، إلى جانب جاكرتا والقاهرة وطهران. وبغداد رجراجة ديموغرافياً، بشكل لافت، أكثر من أي عاصمة أخرى، حتى في"عهدها الجديد"الذي شهد حتى الآن العديد من موجات النزوح والنزوح المضاد، بفعل فرار من فر منها، وزحف من زحف اليها، وبفعل المعارك التي شهدها جوارها الذي لا يبعد أحياناً سوى بضعة كيلومترات. ومعركة بغداد الانتخابية المفترضة ليس لها من اسمها، في واقع الأمر، سوى هذا الافتراض، تماماً مثلما كانت معركة بغداد العسكرية الكبرى، مانشيتاً في الصحافة وصورة توضيحية في إحداثيات الخرائط التي تحدثت عن مجابهة ومنازلة طويلة الأمد في التحليلات التي سبقت غزو العراق، ليظهر منها في نهاية الأمر إيجاز دراماتيكي سريع لخصه مشهد دبابتي"أبرامز"أميركيتين، تقفان على جسر السنك ببغداد، كطليعة لجيش جرار سيدخل "مدينة السلام"بسلام. وليس ثمة من"منازلة تاريخية"لتسقط العاصمة، وتتسارع تأويلات السقوط. أما معركة بغداد الواقعية، المتجلية حتى الآن، فهي القتال المتقطع الذي يهدأ فينة ليحتدم أخرى في المدن الملاصقة للعاصمة، وفي أحياء بعينها داخلها، معركة الفئات الاجتماعية بتضارب نياتها وتناقض مصالحها، هذه هي معركة بغداد التي بدأت فعلياً بعدما استفاقت العاصمة، على عريها الجديد، عندما أسقطت الدبابات الأميركية كابوس الخوف المتجسد بتمثال الفردوس، ولم تستطع استبداله بتعويذة الأمان لسكان العاصمة حتى اليوم. انها معركة في الداخل وليس عند الأطراف. وهكذا أيضاَ سيصعب تأمين الانتخابات في المناطق الشاسعة من بغداد، بمجرد الترويج لممارسة جديدة ينقصها المران الضروري للسير في طريق يفترض أن تصل بغداد في نهايته إلى أمنها قبل كل شيء. ستخوض بغداد، كما اعتادت دائماً، حرباً تشمل كل مدن العراق، تتداخل فيها صورتها بوصفها عاصمة، بصورة المدن البعيدة، إذ أن الذاكرة الساخنة تخبرنا أن البلاد لم تشهد حروباً حدودية مع الجيران والأشقاء، إلا وبرزت بغداد فيها الأكثر تضرراً حتى من بعض المدن الحدودية التي كانت مسرحاً متقدماً لتلك الحروب. وعلى رغم أن بغداد مثلت في أول حكومة عينها الاحتلال البريطاني للعراق في أعقاب الحرب العالمية الأولى، بنقيب الأشراف فيها، عبد الرحمن النقيب الكيلاني السني في الحكومة الانتقالية التي شكلها السير بيرسي كوكس الحاكم المدني البريطاني للعراق، إلا أن مهمة هذه الحكومة لم تتعد مجرد المناداة بالملك فيصل الأول ملكاً على البلاد، وهو المولود في مكةالمكرمة، لتصبح بغداد منذ ذلك الوقت مقراً للعرش، وقصراً لإقامة الرؤساء الذين يأتون الى العاصمة من خارجها. ولم تقدم بغداد رئيساً للعراق ينتسب إلى إحدى عوائلها التقليدية أو ينحدر من أحد أحيائها القديمة، ولم تنتخبه كذلك، فعبد الكريم قاسم ينحدر من قضاء الصويرة أحد توابع محافظة واسط جنوببغداد، والأخوان عبدالسلام وعبدالرحمن عارف ينحدران من محافظة الأنبار غرب بغداد، والقريبان البكر وصدام من تكريت شمال بغداد، وهي المحافظات المتاخمة للحدود الإدارية للعاصمة. ومع إن عدداً من هؤلاء صادفت ولادتهم في بغداد، إلا إن جذورهم العائلية ظلت ممتدة في أماكن أخرى كما هو واضح، ولعل هذه السمة ليست وقفاً على حكام العراق، بل على طبيعة المجتمع الذي يقطن بغداد، فيما تتفرع أصوله في المحافظات الأخرى، كما سيبدو هذا الأمر طبيعياً، ولا يشذ كثيراً عن واقع الحال في العديد من الدول العربية، بخاصة تلك التي تصل الى السلطة بمدرعات الثوار. لكن الميزة الإضافية لبغداد تأتي من كونها لم تعرف أيضاً طيلة أكثر من أربعين عاماً مضت محافظاً لها من بين الملايين من سكانها! فخلال العقود الأربعة الماضية، وربما أبعد من ذلك، لم تنجح العاصمة في أن تظهر حتى بمحافظ يمثلها، وكل من توالى على منصب المحافظ في بغداد، كان من خارجها، ليس هذا فقط، فأغلب من شغلوا هذا المنصب كانوا أما من العسكر الذين لم يبرحوا الخدمة بعد، أو من العسكر المتقاعدين تواًَ من قيادة الجيوش، أو ممن شغلوا مناصب أمنية ومخابراتية رفيعة، كأنهم كانوا بذلك تعبيرات عن استجابة غير واعية لوطأة الغرض الأول الذي بنيت من اجله بغداد: ثكنة للجند!. ولعل العراقيين ممن عاشوا في بغداد بداية السبعينات يتذكرون فترة تولي خير الله طلفاح التكريتي، خال صدام والجنرال المتقاعد، منصب المحافظ في تلك الحقبة. آنذاك، بدأت أول صيغة نوعية تجسد طبيعة العلاقة بين"الأمين"والعاصمة، في تلخيص لعلاقة السلطة بمواطنيها في مركز الدولة. فقد شهدت شوارع بغداد أيامها حملات محمومة لإخضاع الشارع لنمط تفكير السلطة، عندما جرت محاربة زي الموضة السائد آنذاك الميني جيب بطلاء سيقان الفتيات بالأصباغ الملونة، بالقدر الذي تظهر فيه من ثيابهن في الشوارع، فيما جرى تمزيق سراويل الشباب الضيقة و"الشارلستون"على حد سواء مع ورشات حلاقة في الهواء الطلق لذوي الشعور الطويلة. عمرانياً لا يبدو أن ثمة مدينة عربية أكثر أفقية من بغداد التي لا يكاد يوجد فيها حي ببناء عامودي باستثناء عمارات شارع حيفا والصالحية في جانب الكرخ، التي خصص أغلبها للعاملين في أجهزة السلطة الحساسة وعوائل الرسميين العرب من المنتمين إلى البعث. وتتجاوز مساحة بغداد اليوم ثلاثة آلاف كيلو متر مربع، وهو توسع ينوس بين الحضري والريفي، لكنها بالمجمل منطقة مأهولة بمساحتها الشاسعة تلك، وبتداخلها السكاني الذي يجعلها أكثر مدن العراق كثافة بشرية. بيد أن هذه المعضلة تبدو اليوم واحدة من الضمانات البشرية التي تمنع فكرة تقسيم البلد على أسس طائفية أو عرقية، مثلما تشكل في الوقت نفسه مانعاً نوعياً لنشوء نسيج اجتماعي واضح، يصعب معه التنبؤ باتجاهات التصويت وفي اقتراعات المصوتين. ومثلما قسم نهر دجلة بغداد إلى ضفة شرقية وأخرى غربية، واحدة ثكنة وخزان بشري لتلبية حاجات الموت بشتى أشكاله عبر الحروب والإعدامات وسواهما، وأخرى ضفة لإقامة أبو جعفر المنصور وقصر الخلد، والقصر الجمهوري، فإن ثمة شقاً وخطاً اصطناعياً وليس طبيعياً هذه المرة كان عنوانا ومسافة هو"قناة الجيش". ويصطلح العراقيون على أن أكثر من نصف سكان بغداد يعيشون وراء هذا الخط، ليس دون مستوى خط الفقر فحسب، بل دون مستوى الحياة الإنسانية الطبيعية في بلد نفطي. بل إن أهل بغداد، غرب هذا الخط، لم يكونوا ينظرون لأهل الشرق على إنهم من سكان العاصمة، فساد نوع من الفوقية في العلاقات الاجتماعية عززتها تنظيمات البعث بامتيازات لاحقة. انها مناطق الثورة والعبيدي والكمالية والحبيبية، إضافة إلى الشعلة والأحياء التي لم تحمل أسماءً محددة، ولم تخضع لخدمات أمانة العاصمة. وليس من المبالغة القول إن بغداد، أكثر مدن العراق افتقاراً للتجانس الاجتماعي في ما بين مناطقها المترامية، ليس بفعل هذا الترامي الأفقي، الذي جعل من التفاعل والتراكم مفتقداً بين شرائحها المجتمعية، فحسب، بل بسبب تنامي حس المناطقية والعشائرية، والطبقية المتوارثة في العاصمة التي تخضع خريطتها الاجتماعية للتعديل باستمرار، بفعل عوامل شتى من بينها انهيار الطبقة الوسطى خلال سنوات الحصار، وبروز طبقة منتفعة من هذا الواقع المضاد للقيم الاجتماعية التقليدية في بغداد، مثل من يمكن تسميتهم بمحدثي النعم ممن لا يمتلكون حاضنة وعي نوعي لتسهيل اندماجهم بما حولهم. كما إن تنامي ظاهرة ترييف بغداد، عمراناً وإنساناً وقيماً، كان ذا اثر قوي أكبر مما حفره دجلة على الضفتين من انقسام طبيعي، ولم تنفع جسور بغداد الثلاثة عشر في تجسير مساحة من التفاعل ليس بين عمران رصافتها وكرخها، بل بين الكتل الاجتماعية على أي من الضفتين. وبالتالي لن تتمكن شعارات الأحزاب من الحلول محل اللهجة البغدادية الضائعة في نبرات توجز هويات ضيقة يصعب دمجها في الهوية الكبرى للعاصمة والوطن. وتأتي القائمة الانتخابية الموحدة للعراق، لتكرس هذا التناغم المفقود لصالح توافق سياسي يصطدم في واقع الأمر بافتقاده إلى الأرضية الاجتماعية التي يسهل إقلاعها نحو أفق مشترك يمثل بغداد التي ظلت غائبة تماماً منذ أكثر من نصف قرن، بل ربما منذ قيامها كعاصمة للدولة العراقية المعاصرة. البيوتات البغدادية التقليدية ليست في الواقع إلا بقايا تركات عثمانية. لا يعني هذا إن هذه العوائل ذات تحدرات تركية، وإن كان بينها من هو كذلك، لكن الأسماء الملحقة التي تحملها هذه العوائل كانت قد تشكلت بفعل قيم ومهن ومواقع ومآثر اجتماعية واقتصادية من العهد العثماني، فالعوائل التي تحمل كنى: الدفتردار والعلم دار والدامرجي والجادرجي والجلبي، والباجه جي والأورفه لي، وهي عوائل ظلت لها مكانة تقليدية يتكفل رنين أسمائها، التي لا تحمل ألقاب العشائر العربية التقليدية، كالزبيدي والربيعي والقريشي والنعميمي والدليمي وسواها، بمنحها انطباعاً خالصاً يشير إلى انها تنتمي للمدينة لا إلى الريف الزاحف نحوها. لقد مثلت هذه العوائل الكتلة البشرية المدينية للعاصمة فيما لم تكن الكنى والألقاب العشائرية سوى الصياغة الريفية لبيوتات حلت بها لاحقاً. كما نجحت في تحقيق طبقة اجتماعية لم تعدم التعليم الجيد والمهن الشائعة آنذاك، في وقت لم يكن فيه دور النخب السياسية واضحاً تماماً، فاستطاعت بما امتلكته، أن تبدو الطبقة القادرة على الإمساك بزمام الإدارة في دولة تتشكل بالتدريج. كانت الخمسينات ذروتها الكبرى قبل أن تنكفئ في الطريق الذي شقته دبابات العسكر. ويبدو ان تراجع نفوذ هذه العوائل بألقابها تلك وانحسارها كان متماثلاُ مع انحسار المهن والوظائف التي كانت تؤديها وورثتها قبل أن تباح للجميع، بل كان مترافقاً حتى مع انحسار الزي المرتبط بها، واللهجة التي نحتت منها تسمياتها، ولذلك تبدو هذه العوائل اليوم جزءاً من فولكلور بغدادي، لا فعل لها إلا بمقدار ما يمثله من رومانسية تاريخية في محاولة استعادة ذلك الدور. وما دامت طبيعة الانتخابات المقررة تقول إن العراق كله هو دائرة انتخابية واحدة تعتمد نظام القوائم التوافقية، فإن ذلك يعني من بين ما يعنيه ان لا دور خاصاً لبغداد، في إضفاء ملمح بيئي على الصورة الأخيرة لما يمكن أن تؤول إليه نتائج الانتخابات، وسيكون على ملايينها السبعة أن يلجأوا إلى مراجعهم البعيدة المنتشرة خارج العاصمة ليقووها أو يستفتوها، من دون أن يهتموا كثيراً لبغداد الفكرة الاجتماعية أو الطبقة القرمزية في المركز. فكم من مشكلات عشائرية حدثت في بغداد جرى تقصي حلولها في مناطق أخرى بعيدة عن العاصمة، تمثل السند الاستراتيجي لهؤلاء النازحين اليها، وكم انتظرت مدن عدة إشارة من المرجعية الروحية تحدد موعد الصيام ومواعيد الأعياد للقاطنين في العاصمة التي لا تملك وصاية أولي الأمر على رعاياها، ولهذا لن نجد كثيراً من الغرابة عندما نرى، في معارك المدن أو في المعارك الانتخابية، أن مدينة الثورة الصدر تهب من اجل النجف أو كربلاء، أو تنتفض الأعظمية من أجل الفلوجة، وتتداعى عشائر السواعد في ما بينها من اجل العمارة، أو تتصاعد الحمية لدى عشائر الدليم في العامرية من اجل الرمادي. المناطق البغدادية التقليدية أضحت بدورها جزءاً من فولكلور المدينة المكاني، ليس إلا، فشارع الرشيد مثلاً أقدم الأمكنة في عاصمة الدولة، والذي كان مكان الحراك السياسي للمدينة منذ التظاهرات والنشاط السياسي في النصف الأول من القرن الماضي، وهو ايضاً شارع العنف السياسي المتمثل في محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم عام 1959، هذا الشارع لم يعد إلا مجرد مزار دوري للقادمين من الضواحي، وهم يستذكرون وقائع لم تعد متحققة في الراهن، ولن تكون هذه الأماكن إلا أضعف المراكز الانتخابية في العاصمة. اما سوق الشورجة، المركز التجاري الأبرز، فتعرض في أكثر من مرة لتغيرات في طبيعته ومستوى تمثيله للظاهرة الاقتصادية في العاصمة، بفعل حملات تهجير يهود بغداد في الخمسينات، ومن ثم"الفيلية"في السبعينات والثمانينات، ومن بعدهما، حملات الإعدامات التي طالت عدداً من التجار، في سنوات الحصار، مما جعل السوق يفتقد إلى فعله الآخر في التأثير في البنى الاجتماعية، وبقي إلى اليوم مجرد ساحة للتبادل والتبضع والمبادلات السلعية العابرة التي لا تؤدي وظائف أخرى في خصوصية العلاقة بين طبقات المجتمع. وسيحتاج هذا السوق إلى مزيد من الزمن قبل أن يفرز شريحة تمثيلية له في بغداد، تقابل الشرائح التقليدية المهيمنة الآن، أعني العشائرية والمرجعية الدينية. ولن يلوح للطبقات في هذا السوق أي دور أو أثر يذكر في الانتخابات المقبلة. كاتب وباحث عراقي.