"ليست الحياة كئيبة في بيوتنا مثلما تبدو خارجها"هذا ما يقوله عبدالرزاق الموظف السابق واليساري الميول في وصف"الحوارات الجريئة والحرة"التي يشهدها منزله البسيط في بغداد. في هذا المنزل تتباين المواقف والآراء بحدة وحيوية تفتقدها الحياة اليومية الموزعة بين نمطين باتا ثابتين: اعمال العنف من جهة وازمات العيش المتفاقمة بين تيار كهربائي شبه غائب ووقود شحيحة في بلاد النفط. فيما يبدو الأب متحمساً للإنتخابات، تتحدث الابنة بشيء من التحفظ. تشير إلهام وهي تحتضن ابنها سنتان الى ان"الإنتخابات ستكرس الإنقسام الطائفي في العراق اذا لم تسبقها مصالحة وطنية"بينما يبدو لؤي 82 عاماً حلقة وصل بين"تفاؤل"الأب و"تردد"الأخت. فيقول:"الإنتخابات ستجعلنا نكتشف انفسنا بحرية من دون ان يقيدنا نظام معين باتجاهاته القسرية". لا يستغرب الأب موقف ابنته المختلف ولا التزامها السلوك المؤطر بمرجعية دينية مع انه يساري"ابنائي احرار في اختيار مواقفهم ، هكذا أبدو منسجماً مع نهج في الحياة، دافعت عنه واخذ مني حياتي ومباهجي وآمالي". وهو لا يتردد في مناقشة حديثها عن"المصالحة الوطنية "بود وبنبرة خافتة متسامحة وان كان متضايقاً في تعليقه:"علينا ان نعرف مع من تكون المصالحة وكيف". الابن العائد لتوه من معرض تشكيلي سيعرض فيه اعماله الى جانب عدد من الرسامين والنحاتين الشبان، يقول:"صحيح اننا نحيا ازمة حياتية ثقيلة لكنها ستنتهي مع وجود نظام مراقبة يمنع السلطة من اساءة استخدام المال العام. سنبني احياء اجمل وهذا ما توفره جمعية عامة ينتخبها الناس". الخال وهو ضابط في الجيش السابق وعاطل عن العمل حالياً يوجه ملاحظة ساخرة الى ابن اخته"المتفائل"..."اتمنى ان لا تكون لوحاتك قد تلطخت بطين الشارع وانت تنقلها من بيتكم"في اشارة الى الاوحال التي اكتظت بها شوارع الحي إثر موسم مطر وافر في بغداد. وفي حين يكتفي الرسام الشاب بابتسامة ترد الأخت:"راح يقتلنا برومانسيته واحلامه التي لا تنتهي بعرض لوحاته في باريس ولندن". ثم توجه حديثها الى شقيقها"استغفر ربك وصلِ بدلا من الرسم ". هنا يرد لؤي على إلهام بعتاب جدي:"اخاف من سطوة افكار المتدينين امثالك، انهم يكثرون من وضع علامات الحرام على ممارسات عادية". يتدخل الأب لتخفيف نبرة الحديث بين ابنه وابنته:"لا تتضمن لوحات لؤي ما يخدش الحياء ولا افكاره. بل على العكس ارى انها تعكس افكاراً عن التضحية الإنسانية وهذه تعليها كل الاديان". ويزيد في" تطمين"ابنته لافتاً الى ان"الإنتخابات ستفرز برلماناً سيكتب الدستور الذي سيصون حقوق الفرد ويمنع التطاول على قيم المجتمع وضوابطه وابرزها الدين الإسلامي".. هنا تتدخل الأم المشغولة باعداد الشاي، وتوجه حديثها الى ابنتها"والله اخشى عليكم، فالسياسية والديموقراطية تشتتاكم وانتم ابناء اسرة واحدة. فكيف ستكون عليه حال المتنافسين من الأحزاب؟". تنهض البنت من مكانها بعد ان تضع ابنها في حضن جده وترد على أمها فيما تأخذ منها صينية اقداح الشاي وصحن الكعك"انا اتنفس عندكم، وهي فرصة لي فابن اختك زوجها يمنع الحديث في السياسة ويقول انها تبعدنا عن امور الدين والتزام الواجب الشرعي". وما ان تنتهي الهام من جملتها، حتى يعلق لؤي ساخراً"تقدرين على ابي وعليّ لأننا نؤمن بحقك في التعبير عن رأيك، ولا تقدرين على زوجك". ومع صوت دوران الملاعق الصغيرة في اقداح الشاي الزجاجية، يهدأ الحديث الذي يتنوع في بيوت عراقية كثيرة. الا انه في بيت عبدالرزاق السعدي يأخذ طوراً متجدداً ما ان تتوجه انظار اهل البيت الى شاشة التلفزيون حيث تعرض قناة عربية تقريراً اخبارياً عن موجة جديدة من العنف في العراق حصيلتها عشرات الضحايا. الوجوم الذي يرتسم على الوجوه ينقطع مع بث اعلان عن الإنتخابات عقب انتهاء التقرير"المكتظ"بالجثث. وذلك الإعلان المرسوم بتأثير قوي للصورة حيث تسقط اوراق بيض مكتوب عليها ما يبعث على الثقة بالمستقبل في صندوق اقتراع، يقابله تعليق من الأب الذي يحاول رسم ابتسامة حزينة جداً"في صندوق الانتخابات سنضع حداً لموت العراقيين الرخيص". ويرد الجميع:"ان شاء الله".