يقول نبيل أبو ردينة الذي لازم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات سنوات طويلة مستشاراً ومساعداً له وناطقاً باسمه ومشاركاً في كل الاجتماعات المهمة التي عقدها مع الأميركيين والإسرائيليين وغيرهم، إن"الانهيار غير المفسر طبياً أو علمياً الذي تعرض له عرفات غير مفهوم"، في إشارة إلى مرض عرفات الأخير الذي انتهى بوفاته. ورأى أبو ردينة أن السبب الحقيقي لوفات عرفات يبقى"سراً". "الحياة"التقت أبو ردينة، وهو من مواليد بيت لحم العام 1949 في مجمع"المقاطعة"في رام الله، حيث كان إلى جانب الرئيس الراحل خلال حصاره، وكان اللقاء غداة فوز مرشح"فتح"محمود عباس أبو مازن برئاسة السلطة الفلسطينية. عزا أبو ردينة، رداً على سؤال، الانتقال السلمي اليسير للسلطة بعد وفاة عرفات إلى"تمسك القيادات الفلسطينية بالثوابت الوطنية التي أرستها منظمة التحرير الفلسطينية وتمسك حركة فتح، العمود الفقري للمنظمة، بهذه الثوابت". سألت أبو ردينة ما هي صفاته الرسمية الآن بعد وفاة عرفات، هل هو رجل من"فتح"أم رجل المؤسسة الرئاسية، أم جزء من منظمة التحرير أم السلطة الوطنية الفلسطينية، فأجاب:"لم أكن موظفاً في هذه السلطة. أنا مقاتل فلسطيني وقد أكون الحي الوحيد الذي كان جندياً في كل معارك الثورة، من شوارع عمّان وجرش، مروراً ببيروت وطرابلس وحتى حصار بيروت الأخير ... وكنت خلال ذلك الحصار جندياً في غرفة العمليات مع أبو عمار والأخ أبو جهاد وبقية القيادة الفلسطينية. طُلب مني أن استمر في ممارسة أعمالي كالمعتاد بعد وفاة عرفات. وكما قلت لك، أنا جندي في فتح وفي الثورة الفلسطينية. لم أكن ولن أكون موظفاً وسأبقى أمارس عملي النضالي وعملي الجهادي". أبو ردينة، المسيحي التلحمي، له ولزوجته ابنان تخرجا في جامعات أميركية ويعمل أحدهما في رام الله والآخر في مصر. سألته: ما الذي جعل الإسرائيليين، كذلك الأميركيين، يعملون على تهميش الرئيس الراحل عرفات ومعاملته كما لو كان، حسب تعبير ارييل شارون،"غير ذي صلة"؟ قال أبو ردينة:"هناك نقطتا انعطاف حصلتا هما مقتل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق اسحق رابين، وعندها أدرك أبو عمار أن هناك من يريد وقف عملية أوسلو، أي عملية السلام ومنع الانسحاب الإسرائيلي من الضفة الغربية. الانعطاف الثاني كان في كامب ديفيد إذ كانت هناك محاولة لغرض التسوية السياسية على الشعب الفلسطيني رفضتها القيادة الفلسطينية مجتمعة، وكان الأخ محمود عباس"أبو مازن"والأخ أحمد قريع"أبو علاء"مع"أبو عمار"لحظة بلحظة، وكانا مشاركين في القرار مئة في المئة. وأدركت إسرائيل وبعض العناصر اليمينية في الإدارة الأميركية أنه لا يمكن فرض تسوية على الشعب الفلسطيني لا يرضى بها، فتقرر وقف عملية السلام بالعمل على تهميش الرئيس عرفات أو حتى القضاء عليه بشكل أو بآخر ... بسبب الوقفة الفلسطينية المتمثلة بالتمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية: حدود الرابع من حزيران يونيو 1976 والقدس الشريف. أبو عمار تمسك بالقدس وبالمسجد الأقصى وبالمقدسات المسيحية والإسلامية وبأن لا بد من حل عادل لقضىة اللاجئين وفقاً للقرار 194 ولا بد من قيام دولة فلسطينية مستقلة". عدت أسأل أبو ردينة عن مرض عرفات الأخير، وماذا حدث بعد وصوله إلى مستشفى بيرسي العسكري الفرنسي قرب باريس، فقال:"الأطباء الفرنسيون أعادوا اجراء كل الفحوص التي اجريت في رام الله للرئيس عرفات وتأكدوا من أنه لا يعاني من شيء محدد. هذا الأمر حيّر الأطباء. كانوا واثقين من أنه ستعافى لكن صحته كانت تتدهور ولم تتحسن على الإطلاق. تدهورت صحة الرئيس مساء الثاني من تشرين الثاني نوفمبر 2004 الأمر الذي استدعى نقله إلى غرفة العناية الفائقة ودخل في نوع من الغيبوبة التي يمكن الخروج منها، لكن صحته تدهورت إلى أن أسلم الروح فجر الحادي عشر من تشرين الثاني نوفمبر 2004... لم يستطع الأطباء الفرنسيون أن يجزموا بالسبب الحقيقي للوفاة، ويبقى سراً سبب وفاة أبو عمار". هل سمع أبو ردينة من أية جهة أن الرئيس عرفات يمكن أن يكون قد توفي مسموماً؟ أجاب:"طلبنا من الفرنسيين أن يجروا فحوصاً لمعرفة إن كانت هناك سموم أم لا، وأجروا كل الفحوص الضرورية... كل السموم الموجودة المعروفة لديهم لم يثبت وجودها، لكن الانهيار غير المفهوم طبياً أو عملياً الذي تعرض له الرئيس عرفات أيضاً غير مفهوم". حضر أبو ردينة"جميع اللقاءات السياسية"مع الرئيس الفلسطيني الراحل في السنوات العشر الماضية منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية"ابتداء من اللقاءات مع الأميركيين في كامب ديفيد وقبل ذلك في واي ريفر، وانتهاء بآخر اللقاءات مع مسؤولين عرب وأوروبيين أو حتى إسرائيليين". وأضاف انه حضر لقاءات"أبو عمار"مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ايهود باراك والرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون وغالبية اللقاءات مع الزعماء العرب والأجانب. قلت له: بعد كل هذه الخبرات والتجارب والاجتماعات التي شهدتها، هل تعتقد بأن الفلسطينيين أقرب الآن إلى تحقيق تطلعهم إلى إقامة دولتهم الحرة المستقلة، أي تحقيق أمنية"أبو عمار"وأمنية الشعب الفلسطيني؟. أجاب:"أؤكد أن الرئيس عرفات لم تهتز ثقته للحظة بأن الاستقلال مقبل، وأن الحرية مقبلة. ومهما طال الزمن ستقوم دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف. وقد كانت قاب قوسين أو أدنى في كامب ديفيد لكنه عرفات وبقية الاخوة لم يرضوا بالتنازل عن شبر واحد من الأرض أو عن المقدسات المسيحية والإسلامية. نحن، في اعتقادي، في ربع الساعة الأخير قبل قيام الدولة الفلسطينية ... لعل الانتخابات الرئاسية الأخيرة أكبر شاهد. آلاف المراقبين الدوليين راقبوا انتخابات شعب يبحث عن الاستقلال والحرية". ترى هل يعتقد نبيل أبو ردينة أن نهج"أبو مازن"سيختلف عن نهج سلفه"أبو عمار"؟ قال:"أبو مازن رئيس منظمة التحرير التي لها ثوابت وطنية وقد أعلن مراراً وتكراراًَ التزامه هذا الخط ولن يرضى بأقل من دولة فلسطينية والقدس الشريف عاصمة لها ولن يرضى بالتنازل عن أي ثابت من ثوابت الشعب الفلسطيني وسيستمر حاملاً هذه الراية حتى قيام الدولة".