رصدت الحكومة المغربية مبالغ طائلة لحض العاملين في القطاع العام على المغادرة الطوعية، في خطة تهدف الى تقليص الانفاق العام وتحديث الادارة المغربية وجعلها عصرية وتساير التحولات الدولية وتؤدي الى استقطاب الاستثمارات، اضافة الى تشجيع العاملين المغادرين على تأسيس شركات صغيرة ومتوسطة الحجم في القطاع الخاص. قال وزير تحديث القطاعات العامة في المغرب محمد بوسعيد ان الحكومة المغربية رصدت مبلغ 4.4 بليون درهم 500 مليون دولار في موازنة سنة 2005 لحض عدد من العاملين في الوظائف العامة على المغادرة الطوعية، التي قد تشمل 30 الف موظف تراوح أعمارهم بين 45 و59 عاماً. وأضاف الوزير في حديث ل"الحياة"ان اجمالي نفقات هذه الفئة تقدر بنحو 27 بليون درهم 3.2 بليون دولار، لافتاً الى أن اجمالي نفقات اجور الموظفين في المغرب تقدر بنحو 60 بليون درهم تمثل 12.5 في المئة من اجمالي الناتج المحلي، وهي نسبة مرتفعة قياساً لدول اخرى في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا. ويعمل في المغرب حوالي 800 الف شخص في الوظائف العامة منها 300 الف في قطاعات التعليم وحوالي 200 الف في الخدمات المتعلقة بالدفاع والأمن. وكانت نفقات الموظفين زادت نحو 10 بلايين درهم نتيجة تطبيق اتفاقات تحسين الاجور التي وقعت مع عدد من النقابات العمالية في الاعوام الثلاثة الاخيرة. وأشار الوزير بوسعيد الى ان الحكومة سددت مبلغ 11 بليون درهم اضافية الى صناديق التقاعد والضمان الاجتماعي لاعادة هيكلة حسابات الصندوق، الذي كان يواجه عجزاً في الموارد بسبب إحجام الحكومات السابقة عن تسديد اشتركاتها في الصندوق. ويسمح القانون الجديد بمنح تعويضات للمغادرة الطوعية للراغبين في ذلك تصل الى راتب 36 شهراً، تحتسب على اساس شهر ونصف الشهر عن كل سنة خدمة معفاة من الضرائب على الدخل، تضاف اليها معاشات تقاعد تعادل اثنين في المئة من حجم الاجور والمنح المقدمة للمغادرين الى حين بلوغهم سن التقاعد الرسمي المحدد عند 60 عاماً. وتوقع بوسعيد ان يستجيب الاف الموظفين الى دعوة الحكومة الى المغادرة الطوعية، التي تهدف حسب قوله الى تشجيع العاملين على تأسيس شركات صغيرة ومتوسطة الحجم في القطاع الخاص، على اعتبار أن الموظفين المغادرين لديهم كفاءات وخبرات مهنية وعملية يمكن توظيفها بشكل افضل في المشاريع الخاصة وفي استثمارات الشباب التي تمنحها الحكومة تسهيلات ضرائبية وضمانات لبعض القروض. وقال وزير تحديث القطاعات العامة ان الحكومة ترغب في جعل الادارة المغربية عصرية وشابة، لمواكبة الاصلاحات الاقتصادية التي تتطلب اعادة تأهيل القطاع العام وجعله يساير التحولات الدولية ويواكب استقطاب الاستثمارات. وأضاف ان نفقات المغادرة الطوعية تكلف ما يعادل سنتين من العمل في القطاع العام، مشيراً الى أنه يمكن تحويلها مستقبلاً الى استثمارات محلية. ويحتاج المغرب الى المزيد من الاستثمارات لرفع معدلات النمو المتوسطة المقدرة بنحو اربعة في المئة سنوياً والتي تعجز عن توفيرعدد كاف من فرص العمل، ما يزيد في اعداد العاطلين عن العمل من الشباب المقدر عددهم بحوالي مليوني شخص يتظاهرون بشكل اسبوعي امام مقر البرلمان في الرباط. ويقدر اجمالي الاستثمارات العامة بنحو 70 بليون درهم، تضاف اليها استثمارات خارجية بقيمة ثلاثة بلايين دولار سنوياً تأتي من التدفقات الاجنبية وبرامج تخصيص الشركات العامة. وقال الوزير المغربي ان الخطة تهدف على المدى المتوسط الى تقليص نفقات الادارة او التحكم فيها في حدود 60 بليون درهم، اذ تنمو سنوياً بمعدل ثلاثة في المئة، وحصرها في حدود 11 في المئة من اجمالي الناتج الاجمالي، اي ما دون 50 في المئة من اجمالي الموازنة المقدرة بنحو 185 بليون درهم 21 بليون دولار. وكان جدل احتدم في المغرب في شأن احتساب حجم النفقات الحكومية في اجمالي الناتج المحلي، اذ قالت الحكومة ان نفقات الادارة باتت تعرقل خطط التنمية وتنهك الموارد المحدودة للاقتصاد في ظل تراجع الايرادات بسبب تحرير الاسواق وتفكيك الرسوم الجمركية، في حين قالت مصادر برلمانية ان زيادة اجمالي الناتج المحلي الى 60 بليون دولار في الاعوام القليلة المقبلة من شأنه تقليص حجم تلك النفقات في اجمالي الناتج المحلي. ويعتقد البنك الدولي في آخر تقرير له حول المغرب ان تقليص نفقات الحكومة وترشيد مصاريف الادارات العامة باتا من الضرورات لمعالجة الخلل في الموزانة العامة التي يقدر العجز فيها بنحو 3.5 في المئة وتصل النسبة الى ستة في المئة من دون احتساب عائدات التخصيص التي لن تتوافر في المستقبل. وقال بوسعيد ان ادارة مرنة عصرية وقليلة العدد تعتمد التكنولوجيا الحديثة يمكن ان توفر جودة في الأداء تساعد في جلب مزيد من الاستثمارات وبالتالي زيادة النمو الاقتصادي ورفع حجم الناتج. لكن جهات معارضة اعتبرت الخطة طريقة للتخلص من بعض الموظفين لاسباب مختلفة وليس وسيلة لتقليص النفقات، ما دامت الاجور العليا في المغرب تزيد 70 ضعفاً على الأجور في المراتب الدنيا في الادارة. ويشكل موضوع الاجور العليا في المغرب والاغتناء غير المشروع محور جدل في وسائل الاعلام بين الراغبين والمعارضين للكشف عن الثروات التي راكمها كبار الموظفين في العقود الاخيرة، عبر صفقات مشبوهة وولاءات لاشخاص نافذين بعضهم خارج البلاد ومحل متابعات قضائية.