لست مضطرة الى تخيّل دون كيشوت في صورة جديدة فأنا أراه كل صباح في المرآة في وجهي كلما استيقظت من نومي بعينين جديدتين. في كل منا شيء من دون كيشوت الذي اخترعه ميغيل دي سرفانتيس 1547-1616 وما زال حياً. قيل ان المؤلف أراد في روايته الضخمة مجلدات عدة - دون كيشوت 1605-1612 السخرية من روايات الفروسية، لكنه بالتأكيد رسم باتقان حرب رجل مع أوهامه - أو مثله العليا! - الواقع في"التهريج الغرائبي"بصحبة تابعه الفلاح سانشو بانثا، أو انه جسد رجلاً يتحدى العقل السائد أو انه صوّر سوء التفاهم المرعب بين المثالي، وعالم مبتذل منحوس... وأياً كان التأويل الذي نختاره من بين عشرات التأويلات لرواية دون كيشوت التي ترجمت الى الانكليزية والفرنسية والايطالية والألمانية منذ القرن السابع عشر وأثرت في فن الرواية الأوروبي بأكمله، وأياً كان قصد دي سرفانتيس حين اخترع شخصية دون كيشوت ومحاوراته وتفاعله وسانشو خلال رحلاتهما مع الناس والعادات وأخلاق الغش والنبل في الطبيعة البشرية، أياً كان قصده فليس بيننا من لم يقاتل طاحونة هواء واحدة لعله اخترعها بنفسه ولعلها تقطن أعماقه... ولعله بحاجة الى مقاتلتها ليظل مثالياً ونبيلاً وهزلياً وانسانياً! أجل! أرى حماقة دون كيشوت وعناده وعبثيته الخرقاء ومثالياته في وجهي كما أرى بين وقت وآخر في مرآتي وجه عوليس التائه بين البحار... وفي بعض أبطال قصصي قبس من دون كيشوت كما في ماريا وخليل وأمجد . وكلنا دون كيشوت بمعنى ما، ولذا يستمر!...