اثبت تاريخ المنطقة العربية ان الاحتلال وممارساته، عائق أمام النهوض الاقتصادي لأي بلد غير حر. وانتعاش اي بلد محتل غير ممكن عندما يترافق مع حصار واغلاق على غرار ما تشهده المناطق الفلسطينية أو عندما تكون حرية القرار مسلوبة منه على غرار لبنان، حيث يعيق الوجود السوري وممارساته الاصلاحات الاقتصادية الضرورية. والأمر نفسه ينطبق على العراق حيث انشأ الاحتلال الاميركي أوضاعاً أمنية متدهورة وفوضى حالت دون استغلال ثروته النفطية وتطويرها، علماً ان العالم اجمع على انها مبرر الاحتلال الأميركي لهذا البلد. والآن، وبعدما رحب العالم بأسره برئيس السلطة الفلسطينية المنتخب محمود عباس، يقول وزير الخارجية الفرنسي ميشال بارنييه ان"الاختبار الفعلي للشراكة الأوروبية - الأميركية التي تريدها أوروبا، يكمن في القدرة المشتركة على اعادة اطلاق مسيرة السلام في الشرق الأوسط". واكد الرئيس الفرنسي جاك شيراك من جانبه في رسالة التهنئة التي وجهها الى عباس وقبلها في خطابه امام السلك الديبلوماسي، ضرورة اعادة اطلاق"خريطة الطريق"بموازاة عملية انشاء المؤسسات الفلسطينية الشرعية المنبثقة عن الانتخابات. وحقيقة الأمر تتلخص في أقوال وزير المال الفلسطيني سلام فياض الذي يحظى بتقدير دولي ل"الحياة"، اذ اشار الى ان"الاغلاق والحصار الاسرائيلي للمناطق الفلسطينية يزيد من الاحتياجات المالية للسلطة الفلسطينية، كونه يؤدي الى خفض الايرادات وزيادة النفقات في المجالات الاجتماعية وايضاً نفقات الطوارئ التي تضغط على الموازنة". ورأى فياض انه لا بد من مساعدات خارجية لدعم السلطة الفلسطينية من أجل بناء البنية التحتية وتأهيلها وتلبية الاحتياجات الطارئة المقدرة ببليون دولار سنوياً، ويضاف اليها الجهد القائم للحصول على نصف بليون من البنك الدولي، لتمكين الفلسطينيين من تحسين أوضاعهم. لكن فياض يؤكد انه مهما كان حجم هذه المساعدات التي"نأمل بأن تصل لأنها ضرورية ولازمة، ففي ظل الوضع القائم على الأرض، وفي حال بقائه كما هو عليه، فإن المساعدات لن تكفي لتحسين الأوضاع وانما فقط لمنع المزيد من التدهور، من دون ان تدفع عجلة الاقتصاد وتنهي حال الركود القائمة". ويتابع فياض ان الفلسطينيين"يسمعون عن مساعدات بقيمة بليون دولار ومؤتمر مانحين وغير ذلك من وعود، ولكن ما جدوى ذلك بالنسبة الى المواطن الموجود في قرية وعاجز عن الوصول الى مدينة ما بحثا عن علاج أو مدرسة أو حاجة اساسية، وبالتالي ما معنى هذه الأرقام التي يسمع عنها في حين انه لا يرى اي تحسن في أوضاعه المعيشية". فانتخاب عباس وترحيب الرئيس الاميركي جورج بوش به واتصاله به لدعوته الى واشنطن ليست كافية ما لم تتكثف الجهود الاميركية والأوروبية لدفع الجانب الاسرائيلي الى الانسحاب ورفع الحصار عن المناطق الفلسطينية وتفكيك المستوطنات وتطبيق"خريطة الطريق". فهل يمكن ان يقدم رئيس الحكومة الاسرائيلي ارييل شارون على اكثر من الانسحاب من غزة، فهذا أمر مشكوك فيه. واذا اكتفى بإعادة غزة فقط، فكيف يمكن اقامة دولة فلسطينية في القطاع فقط؟ وأي دولة هذه؟ فلتظهر الأسرة الدولية الآن دعمها الحقيقي لعباس، عبر السعي لتطبيق خريطة الطريق، لأن التهاني الكلامية والترحيب والحديث عن مؤتمر للمانحين، غير مجد. فينبغي الآن تصحيح اخطاء الادارة الاميركية التي ارتكبت خلال الولاية الأولى لبوش، والتي لم يقتنع خلالها بأن حل القضية الفلسطينية يجب ان يكون أولوية السياسة الاميركية، بدلاً من فرض الديموقراطية في الشرق الأوسط. فبعد كارثة 11 ايلول سبتمبر، كانت وزيرة الخارجية الاميركية المعينة كوندوليزا رايس تقول للمستشارين الرئاسيين لمجموعة الدول الصناعية الثماني ان الدول العربية تتذرع بعدم حل القضية الفلسطينية لتأخير الاصلاحات المتوجبة عليها وان الديموقراطية في الشرق الأوسط تحظى بأولوية بالنسبة الى باقي الأمور. لكن ديموقراطية الانتخابات الفلسطينية التي أدت الى انتخاب عباس لن تحل مشكلة البطالة واليأس والحرمان التي تولد العنف والارهاب. فما قاله السفير الفرنسي في لبنان برنار ايمييه في احدى ندواته حول ضرورة اعادة اطلاق الجهود الاميركية - الأوروبية لدفع خريطة الطريق وتطبيق الاتفاقات كدليل على فتح صفحة جديدة بين أوروبا والولايات المتحدة خلال ولاية بوش الجديدة، هو المطلوب في الوقت الراهن.