علن مكتب الرئيس العراقي جلال طالباني ان اتصالات هاتفية وردت اليه عقب مؤتمر القاهرة قال اصحابها انهم يمثلون اطرافاً في ما يسمى مقاومة عراقية وانهم على استعداد للأنخراط في العملية السياسية. هنا تحقيق من محافظة الأنبار يحاول رصد ردود افعال سكان تلك المحافظة التي تتكثف فيها الأعمال العسكرية، حيال"المقاومة"واساليب عملها، واستعداد بعض اطرافها للأنخراط في العملية السياسية. لا يختلف اثنان على ان محافظة الانبار العراقية 50 كلم غرب بغداد تحملت الوزر الأكبر من معاناة عراق ما بعد الحرب، سواء من خلال الدمار الذي لحق بها جراء العمليات العسكرية المستمرة، او من خلال بعض تلك الجماعات الاكثر تطرفاً التي فرضت نمط حياة وقوانيين ارهقت الاهالي وجعلتهم في كثير من الاحيان في مواجهة مباشرة مع الآلة العسكرية الاميركية. لكن حجم الدمار الذي لحق بمدن الانبار لم يدفع اهلها للتخلي عما يعتبرونه مقاومة للاحتلال وإان كانوا يصنفون تلك المقاومة على درجات ويضعونها في اطر تصنيفية معيارها الوطنية والسعي إلى انهاء الاحتلال الاميركي واعادة السيادة إلى هذا البلد المنكوب مقارنة بحركات يضعونها في صف"الارهاب"تتقدمها جماعة الاردني المتشدد ابو مصعب الزرقاوي. "اخطاء المقاومة" لم يكن احد في الانبار يشكك بالمقاومة، او يرى طريقاً بديلاً منها لتحرير العراق. والآن وبعد ان دمرت معظم مدن المحافظة وعانى أهلها ما عانوه، نتيجة لهذه المقاومة، بدأ التساؤل هل ما زالت المقاومة تحظى بالتأييد ذاته؟ محمد الفلاحي كاتب سياسي مؤيد للمقاومة وله مؤلفات عدة من أبرزها،"سلام أخطر من الحرب"، وهو من أهل الفلوجة التي شهدت واحد من أعنف فصول الصراع في العراق، يقول:"لقد وقعت المقاومة العراقية في الأنبار في أخطاء عدة، أضعفت شعبيتها الى حد خطير. وأخص بالذكر الاجنحة المتشددة منها والتي مارست على الناس ضغوطاً ارهقتهم ولم يستطيعوا إحتمالها، وباتت تطالبهم بمطالب خيالية لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع، فضلاً عن الخطأ الفادح الذي وقعت فيه حتى أجنحة المقاومة الوطنية الصادقة عندما سمحت لكل من هب ودب بالانضمام الى صفوفها، فانسل الى تلك الصفوف أناس منتفعون أخذوا يرتكبون الخطأ تلو الآخر وتنعكس هذه الأخطاء على سمعة المقاومة ككل. كما إنسل الى صفوف المقاومة عدد من المندسين، بل أن مجموعات كاملة أدعت الانتماء الى المقاومة وهي في الحقيقة تابعة للاستخبارات الاميركية". ويضيف:"لكن أفدح الأخطاء التي وقعت فيها عموم المقاومة العراقية وكذلك الاسلامية هو معارضتها انضمام أهل السنة الى العمل السياسي ورفضها إنخراط أبناء السنة في الشرطة والجيش مما جعل الحكومة التي نشأت تحت رعاية الاحتلال، أحادية الجانب، وشجع على التمايز الطائفي الذي تحول بفعل أعمال الحكومة الحالية إلى التصعيد الطائفي الذي يطاول اهل السنة اليوم". ويتابع:"ومع كل هذه الاخطاء، فإن أيجابيات المقاومة التي من أجلها أيدها الناس في أول أمرها، لا تزال قائمة، فهم يعلمون بحكم تجربتهم مع القوات الاميركية أن الركون إلى مسالمتها لن يؤدي الا إلى المزيد من تماديها واستهتارها بأبناء البلد. وفي الأنبار يندر ان يوجد بيت لم يقتل الاميركيون او يسجنوا احداً من أفراده وكل واحد من هؤلاء الناس يرى في كل مقتل تصيبه المقاومة من المحتلين شفاء لصدره واخذاً لثأره واقتصاصاً له من ظالميه". ويؤكد الفلاحي ان "ما كابده الناس من جهة، وما وقعت فيه المقاومة من أخطاء من جهة، وما يفعله المندسون من أعمال تنسب الى المقاومة، كل ذلك جعل الناس في الأنبار يتجهون الى عملية فرز وتمحيص يميزون عبرها بين نوعين من المقاومة، اولهما، مقاومة وطنية شريفة، والآخر مقاومة تسيرها أجهزة استخبارات أجنبية وتضم جهلاء الناس ممن يسهل استغفالهم، فيحدثون كل ما يناقض الدين باسم الدفاع عن الدين، وهؤلاء إستحلوا دماء المسلمين بغير حق وأنحرفوا عن الهدف الاصلي". في الفلوجة ماذا كسبنا من المقاومة؟ سؤآل بدأ يتصاعد في الانبار. قحطان شعيب عضو نقابة المحامين في الفلوجة وهو ناشط سياسي مستقل يرى"أن المقاومة كانت تتمتع بشعبية كبيرة في أوساط الناس في محافظة الانبار وبخاصة في مدينة الفلوجة، والناس هنا نوعان نوع مبدئي يبقى ثابتاً على معتقداته مهما أصابه من أذى ومهما تطلب منه هذا الموقف من تضحيات، وآخر يهجر مبادئه عند أول امتحان وهكذا غير الكثير من أهل الفلوجة موقفهم من المقاومة عندما تضررت مصالحهم وسبل حياتهم وأخضعوا لهذا الحصار القاسي، وأخذ بعضهم يتساءل"ما الذي كسبناه من المقاومة"؟ إذا كان المقصود بها طرد المحتلين فها هم قد أمتلكوا الفلوجة بعد أن كانوا لا يجرؤون على المرور عبرها، وإذا كان المقصود إعزاز اهلها فأي ذل أكبر من أن تفتش زوجتك كلما خرجت أو دخلت الى مدينتها ومن أن تصبح المدينة محرمة على سكان القرى المجاورة لها. أو أن تتعرض للشتم والاستفزاز من أشخاص اغراب كلما دخلت مدينتك، أو يمنعونك من الدخول إذا كان مزاجهم متعكراً". ويضيف:"لا أعني بذلك أن المقاومة لم ترتكب أخطاء كبيرة. لقد دفعت هذه المقاومة بالكثيرين الى أعتزال العمل السياسي، وحاربت كل من يحاول أن ينضم الى العملية السياسية، مما جعلها معزولة عن الناس الذين أدركوا ضرورة المشاركة فيها لكي لا يصبح جميع أهل السنة فئة منبوذة ومحاربة من الطوائف والفئات الأخرى التي أنضوت جميعها في العملية السياسية. المقاومة لا تتكامل ما لم يكن لها جناح سياسي يعبر عن مطالبها ويمنع ضياع جهودها". رأي المقاومة أما"أبو البراء"وهو مقرب من بعض أجنحة المقاومة في الرمادي، فيؤكد أن المقاومة لا تزال تحظى بتأييد كل الناس، ولا توجد معركة في التاريخ تخلو من التضحيات ولا أدل على ذلك أكثر من الشعب الفيتنامي الذي فقد حوالى مليونين ونصف المليون من ابنائه قبل أن يتحرر من التدخل الأميركي. وكذلك الحال بالنسبة الى الجزائريين وغيرهم. وأهالي الأنبار مسلمون غيورون على دينهم لذا لا يمكن أن تتصور أن يقفوا يوماً ضد المقاومة الشريفة". ولكن أبو البراء يعترف بأن"هناك جهات أندست بين فصائل المقاومة وجهات أخرى تعمل باسم المقاومة، ما يسيء، اليها إضافة إلى جهات تشتت عندها الهدف وغالت في التشدد الى درجة نفرت الناس منها وجعلتهم يخشونها أكثر مما يخشون الاحتلال". إلا أنه يرى أن"معظم أجنحة المقاومة تركز على العدو الحقيقي وتعمل في شكل منظم للوصول الى تحرير العراق، بل أن بعض أجنحة المقاومة ابدت المرونة ما جعلها تعلن تأييدها لمشاركة أهل السنة في العملية السياسية". وعن تصفيات المجاميع المسلحة، يتحدث احد المقربين منها بالقول:"لا ريب في ان هناك جهات وإطرااً عدة في المقاومة العراقية كثيراً ما تتداخل فتتحد او تفترق او تظهر بأسماء مختلفة إضافة الى وجود أسماء وهمية لا وجود لها على الأرض". ويضيف:"يبقى تنظيم قاعدة الجهاد وجناحه العسكري المسمى"اسود التوحيد"احد ابرز تلك المجاميع ليس بسبب تأييد الأهالي له ولكن بسبب حجم التمويل الكبير الذي يحظى به ويساعده على حرية الحركة وتوفير الأموال اللازمة لشراء السيارات وتفخيخها او دفع رواتب وأجور المنخرطين فيه... وربما كان هذا التنظيم الذي يقوده الأردني المتشدد ابو مصعب الزرقاوي أكثر التنظيمات سرية وتنظيماً في عمله وأكثرها استخداماً لأساليب القمع والتصفية ضد أعدائه لكنه تحرك من الأنبار لينتشر في اكثر من مكان آخر بعد العمليات العسكرية المتواصلة التي خاضها، وبسبب استياء الأهالي من الدمار الذي ألحقه بالمدينة وأسلوب المواجهة الطائفية الذي يذهب الى تبنيه". ويتابع:"هناك مجاميع أخرى ذات ثقل وهي بعيدة من قاعدة الجهاد وتحظى بالتأييد الشعبي لكونها تنطلق من أهداف محددة موجهة ضد الأميركيين وليس العراقيين مثل الجيش الإسلامي وحركة المقاومة الإسلامية كتائب ثورة العشرين وجماعة المجاهدين والقيادة العامة للقوات المسلحة وأكثر من 50 فصيلاً آخر، وتلك جهات تعمل بسرية أيضاً لكنها تعاني نقص التمويل مقارنة بحركة الزرقاوي وان كانت في النهاية هي الأكثر استعداداً لدعم مشاركة السنة في الانتخابات والمضي في العملية السياسية استناداً الى اجندة وطنية وليست دولية".