معرض هو أشبه بالتحية الى الفنانين العراقيين الكبيرين الراحلين: شاكر حسن آل سعيد 1925 - 2004 واسماعيل فتاح 1934 - 2004 تقيمه"قاعة أثر"في بغداد، ويضم، الى أعمال منتخبة للفنانين الراحلين، أعمالاً لفنانين عراقيين، رسامين ونحاتين، يمثلون ثلاثة أجيال في الفن العراقي الحديث. وقد جاء، في بعده هذا، معرضاً يتجاوز"التحية"ليمثل"واقع التواصل"بين أجيال"حركة الفن"هذه. والسؤال الذي يثيره المعرض هو عما يجمع بين الفنانين، آل سعيد واسماعيل فتاح، اللذين جمعتهما"قاعة أثر"في هذا المعرض - التحية؟ - اذا كان شاكر حسن قد اختط توجهه الفني، في العقود الأربعة الأخيرة من حياته، من خلال ما سماه ب"البعد الواحد"، وراح يعمق هذا التوجه جاعلاً منه"اتجاهاً فنياً"، له ملامحه الواضحة، فإن اسماعيل فتاح، رساماً ونحاتاً، كان أن اختط اتجاهاً آخر يمثل"تراوحاً بين التشبيه والتجريد في اللوحة الواحدة"، وان جاءت لوحته متميزة بتوازناتها الدقيقة - على حد رأي جبرا. إلا ان النظر اليهما من خلال كونهما فنانين فاعلين في"حركة"يكشف عن أكثر من عامل يجمع بينهما. فهما وإن لم يكونا من جيل واحد فإن هموم الابداع، والبحث الفني قربت بينهما. واذا كان آل سعيد قد انغمر في"البحث النظري"جاعلاً من عمله الفني"تمثيلاً تجسيدياً"له... فإن اسماعيل كان ان توجه بكلية طاقاته الفنية الى بحث من نوع آخر: ينصب على العمل الفني بذاته، باحثاً عن سبل للابداع الجديد، من غير ان يعني بالتنظير لعمله. الا انهما عبرا معاً في أعمالهما الفنية، عن معرفة جادة جمعت بين الحس الفني العالي والنظرة المنفتحة على ما حولها، وعلى تراثها ايضاً. وقد جمعا في أعمالهما بين التأمل - المدفوع بتطلع خلاق - والتعاطف مع ما هو انساني، وشعبي بدرجة من درجات"شعبية الموضوع". واذا كان اسماعيل فتاح، عمراً وفناً، من جيل تال لجيل شاكر حسن، فإنه، مع هذا، كان ان شاركه هذا التطلع الخلاق، والتعاطف، ومضى، كما مضى زميله على طريق الكشف والاكتشاف. وقد عاش كلاهما مرحلة من أغنى مراحل حياة الفن العراقي. وكلاهما أغناها، من خلال عمله، بفن متميز بخصوصيته، من دون ان يغفل أي منهما عما يستدعيه العمل الفني من محرك فكري، وأسلوب مرتبط بالتطور الفني في العالم. إلا ان كلاً منهما كان يبدع على منواله الخاص، وكل غايتة هي: خلق اشكال تضفي على الفن المعاصر في العراق طابعاً خاصاً، وتسهم في بلورة شخصية فنية متميزة. غير ان هناك وجود نوع من"التكرار"في اعمال الفنانين الشباب، فضلاً عن التماثل، في الشكل والأسلوب، بين أعمالهم وأعمال سابقيهم، وهو ما وجده غير فنان وناقد فني عائقاً أمام نمو شخصياتهم الفنية نمواً طبيعياً... الأمر الذي يثير السؤال، مع مزيد القلق، عن مستقبل هذه"الحركة"التي عرفت بكونها من أهم واكبر الحركات الفنية - التشكيلية في الوطن العربي، زخماً وعطاء وتنوع اساليب. وهو ما يثير سؤالاً آخر عما اذا كان للسنوات التي مرت بالعراق وبالانسان العراقي - وهي سنوات صعبة بظروفها وتداخلاتها - قد انعكست بمثل هذا التأثير السلبي على واقع الفنان العراقي الجديد؟ وكأن الحياة التي عاشها هذا الفنان تحت الحصار قد أغلقت أكثر من أفق في وجهه، وحاصرت رؤيته وحجمت رؤياه.