من التقاليد الراسخة في اوساط الشباب الكنديين ان الصداقة بين الجنسين أمر طبيعي يبدأ مع الطفولة وينمو مع المراهقة وينضج في سن البلوغ. ففي مرحلة الروضة، المكان الاول للاختلاط بين الذكور والاناث، يتعرف الاطفال الى بعضهم بعضاً ويؤسسون نوعاً من الصداقات البريئة فيكتشفون خلال علاقاتهم اليومية، ربما بالصدفة او عن طريق المشرفين عليهم، الملامح الاولى لتكويناتهم البيولوجية والفروقات المميزة بينها. اما اللبنات الاساسية للصداقة فيشيدها المراهقون الذين يتحسسون بوادر النضوج الجسدي والنفسي والعاطفي ويبدأون رحلة التعرف الى الجنس الآخر وما يكتنفه من اسرار. وطبيعي ان يكون التعليم المختلط الممهد الاساسي لنشوء الصداقة التي تتنامى بين الجنسين وتتعمق يوماً بعد يوم في الصف والملعب والنشاطات الرياضية والترفيهية والثقافية. اما الدوافع الى الصداقة فهي لا تخضع لمعايير ثابتة وانما تنطلق من هوى ومشاعر وقناعات ذاتية تلقى صدى طيباً لدى الجنس الآخر كالاعجاب بمظهره او حسن سلوكه او لطافة معشره اوغير ذلك من القواسم المشتركة. والواقع ان الصداقة بين المراهقين من الجنسين قد تبقى في نطاقها البريء وقد تتخطاه الى ابعد من ذلك. فمنهم من يشعرون فعلاً انهم أقرب الى الأخوة منهم الى الاصدقاء خصوصاً اذا ما انس احدهم للآخر وتعززت ثقته به. فهؤلاء يلازمون بعضهم بعضاً كالظل في حلهم وترحالهم سواء في المدرسة ام البيت ام خارجهما ولا يضيرهم ان صارحوا اهلهم بالامر طالما بقيت صداقتهم عند هذا الحد من الالتزام. الا ان حدود هذه العلاقة البريئة في السلوك والتعامل قد تنتهك احياناً من بعض المراهقين والمراهقات الذين يضفون على الصداقة ابعاداً "غير بريئة" هي في نظر بعض المحافطين، خروج عن المألوف وحرمة الاخلاق والآداب وتشويه للتربية الجنسية السليمة. فالمراهق الذي يمسك مثلاً بيد صديقته او يداعب شعرها او يضمها اليه، فهو يفعل ذلك امام الملأ، في المدرسة وعلى قارعة الطريق وفي المترو والاتوبيس وأنى تسنى له ذلك دون ان يلتفت اليهما احد ودون ان تنتابهما مشاعر العيب والخحل او الارتباك. فهذه المفردات لا وجود لها في عرف المراهقين وقاموس الصداقة الكندي، فضلاً عن انها تتنافى وثقافة الحب التي تحظى برضى الطرفين وتعزز اواصر الصداقة بينهما. ويطرح العديد من المراهقين والمراهقات اسئلة كثيرة على مواقع الانترنت حول تأثير الجنس على الصداقة، علماً ان نسبة عالية من المراهقات يفقدن عذريتهن بين سن الخامسة عشرة والسابعة عشرة وتقدرها الاحصاءات الرسمية الكندية بأكثر من 60 في المئة. ولا غرو في ذلك فهذا الامر لا يقابل لدى معظم الاهل او المربين او غيرهم بأي نوع من الاستنكار او الاستهجان او يلقى اي ردود فعل سلبية. ولعل الأغرب من كل ذلك ما طرح أخيراً في بعض الأوساط الطبية حول اجازة فض بكارة المولودة الجديدة بعملية جراحية على غرار الطهور للذكور، تجنباً لاشكالات جنسية او اجتماعية او عائلية قد تحصل للفتاة في مراحل البلوغ. اما الشباب البالغون وهم عادة من الطلبة الثانويين والجامعيين فمن الطبيعي ان يكونوا اكثر نضجاً وتجربة ومسؤولية وحرية في اتخاذ القرارات والتصرفات التي يقومون بها وتحديد علاقاتهم العاطفية مع الجنس الآخر كابقائها في اطار الصداقة والزمالة او في تخطيها الى أبعد من ذلك. فالشبان والشابات الكنديون يتمتعون باستقلالية تكاد تكون مطلقة على المستويات الشخصية والمادية والقانونية في سن الثامنة عشرة. وفي هذه السن مثلاً يمكنهم الانفصال عن ذويهم وترتيب حياتهم بالشكل الذي يرتأونه. وفي هذا السياق تشير الاحصاءات الكندية الى ان نحو 70 في المئة من الشباب الكنديين، من الجنسين يعيشون مستقلين عن اهلهم، والعديد منهم يتساكنون معا في غرفة واحدة ويتقاسمون بدل الايجار في ما بينهم مناصفة من دون ان تنشأ بالضرورة بينهم علاقات عاطفية او جنسية كما قد يتبادر الى الاذهان. والواقع ان الحياة الجامعية تتيح للشباب والبنات مجالات واسعة للتعارف ونشوء الصداقات بينهم نتيجة للاحتكاك اليومي والتعاون في الابحاث والنشاطات الاكاديمية والثقافية والترفيهية التي قد تؤدي بمجملها الى بناء علاقات عاطفية تبدو مظاهرها للعيان في رحاب الجامعات او في اي مكان آخر. بكلمة من النادر الا يرتبط شاب او فتاة كندية بصديق او صديقة بمعنى شريك سواء في مرحلة البلوغ ام المراهقة فهذا امر شائع في حياة الكنديين عموماً إذ يتخذون من الشريك الآخر بديلاً من الزوج او الزوجة.