فترة المراهقة من أصعب الفترات التي يمر بها الانسان، لذا اعتبرها بعض العلماء "مولداً جديداً للفرد"، والبعض الآخر "المرحلة العاصفة او الأزمة"، لتضمنها تغيرات جسدية ونفسية ملحوظة، فيما وصفتها الدكتورة مايسة النيّال، في دراسة انجزتها اخيراً، بأنها "التدرج نحو النضج الانفعالي والعقلي والجسمي والجنسي". تقول الدراسة ان المراهقة مرحلة كاملة تبدأ من البلوغ وتستمر حتى النضج وقسمتها الى ثلاث مراحل، اولاها مرحلة ما قبل المراهقة، وتظهر فيها عملية التحفز تمهيداً للانتقال للمرحلة التالية، وهي مرحلة المراهقة المبكرة التي تمتد من سن 13 الى 17 سنة، والتي تتسم بالتغيرات السريعة وبرغبة المراهق في الاستقلال والتخلص من القيود وسلطة الكبار. اما المرحلة الثالثة، فهي مرحلة المراهقة المتأخرة، وتمتد من سن 18 الى 21 سنة، ويحاول خلالها المراهق التكيف مع المجتمع الذي يعيش فيه. ومرحلة المراهقة مرحلة تغير واضح في جسم الفرد، اذ يزداد الطول وتنمو الذراعان والاطراف فضلاً عن اشتمالها على تغيرات فسيولوجية واخرى انفعالية واجتماعية تصاحبها مشاكل متباينة. وأرجعت الباحثة تعرض المراهق لبعض الاضطرابات الانفعالية الى الاسباب التالية: - شعوره بعدم التوافق مع البيئة الأسرية او المدرسية. فأفراد اسرته والمخالطون له لا يعاملونه على اساس ما وصل اليه من نضج وما طرأ عليه من تغير. فهو لم يعد طفلاً، بل يتطلع لأن يحس باستقلاله وحريته. وقد يعبر المراهق عن الاحتجاج على هذه المعاملة بأنواع من السلوك مثل العناد والسلبية والانطواء والعدوان والتمرد. - عدم توافر الامكانات المالية للمراهق وعجزه عن سد مطالبه وطموحه. فالمراهق يتطلع الى رفاقه الذين ينفقون عن سعة، ولا يستطيع مجاراتهم في إنفاقهم او مظهرهم او ملبسهم. - تعرضه لانتقاد الكبار لعدم قدرته على ارضائهم في سلوكه وتصرفاته التي لا تدل على النضج الاجتماعي والعقلي، فالآباء يطلبون من المراهق سلوك الناضجين، في حين انه لم يتخل بعد عن سلوكه الصبياني. كذلك يتعرض المراهق للقلق والتوتر بسبب ما يلقى على عاتقه من مسؤوليات جديدة لم يألفها في عهد طفولته وتعجز امكاناته عن انجازها. - تعرضه للاضطراب النفسي بسبب الدوافع النفسية المتضاربة التي لا يتم بينها التناسق والتكامل، ما يسبب له مشاعر التناقض الوجداني او ثنائية المشاعر التي تتلخص في تذبذب وعدم استقرار مشاعره، كأن يشعر بالانجذاب والنفور، الحب والكره، والرضا والسخط ازاء المواضيع والمواقف نفسها. وتذكر الدكتورة النيّال انه في بداية المراهقة تكون مخاوف المراهق شبيهة بمخاوف الاطفال، كالخوف من الاماكن المظلمة، ويتخلص منها وينتصر عليها في نهايتها. وقد يعبر عن الخوف باستجابات فسيولوجية وجسمية كالارتعاد وامتصاص اللون وتصبب العرق والنزوع الى الهرب او الهجوم. وتتركز مخاوفه حول ذاته من خلال المواقف الاجتماعية التي تهدد مكانته الاجتماعية بين اقرانه وزملائه في المدرسة او الصف. ومن اهم مواضيع الخوف عند المراهق، المخاوف التي تدور حول العمل المدرسي، مثل الخوف من سخرية وتأنيب المدرسين لعدم الاستذكار والتحصيل الجيد، والخوف من الامتحانات والرسوب والفشل الدراسي. والمخاوف الصحية، مثل الخوف من المرض والاصابات والحوداث والعاهات والموت. والمخاوف الجنسية التي تبدو في علاقاته وتهيبه الاختلاط بأفراد الجنس الآخر لا سيما في بواكير المراهقة، كذلك خوفه من نقد الكبار وسخريتهم بسب اختلال تناسب اعضاء جسمه وتغير ملامحه وميله الواضح نحو الجنس الآخر. ويختلف الغضب عند الاطفال عنه عند المراهقين، فمن المعروف ان غضب الاطفال لا يستمر اكثر من خمس دقائق، بعدها يصفو الطفل ويعود الى حاله الطبيعة، في حين تطول فترة غضب المراهق الذي يثور عندما يحال بينه وبين تطلعه الى الاستقلال والحرية. فهو يتوق لأن يفهمه الآباء والمربون ويقدرون حقوقه وما طرأ عليه من نضج ونمو، ويغضب عندما يعامل كطفل ويتمرد عندما يجرح كبرياؤه وتمس كرامته، لا سيما امام الآخرين. ويعبر المراهق عن غضبه بنشاط حركي: بالضرب او الهجوم او الاعتداء، او أن يترك المنزل ويهيم على وجهه في الشوارع، او ان يشغل نفسه بعمل شاق يصرف فيه غضبه، وقد يعبر عن غضبه بمظاهر لفظية كالوعيد والتهديد، وقد يتجه بعضه نحو نفسه فيلومها على ما صدر منها، وبذلك يرتد غضبه نحو ذاته، وقد يلجأ للتعبير عن الغضب عن طريق الخيال والاستسلام لأحلام اليقظة. وأجملت الباحثة مظاهر النمو الاجتماعي وخصائصه في مرحلة المراهقة، وهي أكثر تمايزاً واتساعاً وشمولاً عنه في مرحلة الطفولة. فينمو الفرد وتزداد وتتسع آفاق علاقاته الاجتماعية لتتابع مرحلة النمو المطرد، وتستمر عملية التطبيع والتنشئة. وتبدأ مع مرحلة المراهقة مرحلة دراسية جديدة، ويتنوع الاتصال الشخصي بالمدرسين والرفاق والمخالطين الآخرين، والذين يتفاعل معهم المراهق اكثر. وباتساع دائرة العلاقات والتفاعل الاجتماعي، يتخلص من بعض جوانب الاثرة والانانية التي تطبع سلوكه في مرحلة الطفولة، فيحاول ان يأخذ ويعطي ويتعاون مع الآخرين. واثناء تفاعل المراهق وتعامله، تتأكد لديه مظاهر الثقة بالنفس، وتأكيد الذات ومحاولته إشعار الآخرين بأهميته كفرد له كيان مستقل، ولذلك نجد لديه ميلاً الى العناية بمظهره وملبسه وطريقة حديثه، فهو يتحدث كثيراً عن نفسه وعن قدراته وجولاته مع الجنس الآخر. وفي هذه المرحلة يثور على سلطة الاسرة والمدرسة وقيودهما، ويميل بطبيعته الى الاندماج مع الشلة والامتثال لآرائها، فيستبدل بإخلاصه لاهل بيته اخلاصه لزملائه واصدقائه، وتشتد المنافسة بينه وبين اخوته او اترابه، وتأخذ شكلاً فردياً، فهو يتنافس في التفوق والتحصيل الدراسي او في النشاط الرياضي او الفني، وقد يزداد التنافس فتسيطر الانانية ويبدو ذلك في شكل صراع ومعاناة وتوتر يصاحبه الكيد والوقيعة والانتقام.