اقيمت امس مراسم دفن المجموعة الاولى من ضحايا عملية احتجاز الرهائن في مدرسة مدينة بيسلان في جمهورية اوسيتيا الشمالية الاسبوع الماضي، والذين تجاوز عددهم في حصيلة غير نهائية ال 338 قتيلاً. وفي وقت تركت ابواب المنازل والنوافذ مفتوحة بحسب تقاليد الحداد المعتمدة في المنطقة، حمل اباء، وهم يبكون، اول مجموعة من النعوش الى المقبرة، فيما جاهد آخرون للعثور على اقاربهم الذين لا يزالون في عداد المفقودين. واضطر هؤلاء الى التجول بين المستشفيات المحلية والمشارح على أمل العثور عليهم، علماً ان ليف غوغاييف الناطق بإسم سلطات اوسيتيا الشمالية اعلن ان 428 رهينة سابقين لا يزالون في المستشفيات المحلية، في حين لم يعرف مصير 260 آخرين. وأقامت الكنائس الارثوذكسية في انحاء روسيا قداديس جنائزية، واعلن الرئيس فلاديمير بوتين الحداد الوطني اليوم وغداً. وعكست الصدمة الناتجة من النهاية الدموية لعملية الاحتجاز التي استمرت ثلاثة ايام ونفذها 32 مسلحاً نجح ثلاثة منهم في الفرار، استقالة وزير داخلية اوسيتيا الشمالية كازبك دزانتييف، قائلاً: "لا يحق لي الاحتفاظ بهذا المنصب بعد الذي حدث في بيسلان". من جهتها، اعلنت السلطات الاوسيتية انها لن تعيد بناء المدرسة التي دمرت في اعقاب النهاية الدموية للعملية وستدشن نصباً تذكارياً في موقعها وتبني صرحاً تعليمياً جديداً يتسع ل1200 طفل في موقع آخر في بيسلان. وايضاً، استمرت الصدمة الشعبية والتي تعززت بإفادة احد الناجين ان المسلحين فككوا ارضية صالة الالعاب الرياضية ورفعوا كميات من الاسلحة كانوا يخفونها تحت الارض، قبل وقوع الانفجارات، ماعكس تسلحهم الجيد وتلقيهم مساعدات محلية. ولم يتردد بعض السكان في اتهام بوتين بالقيام بزيارة شكلية للبلدة والفشل في حمايتهم كما يقتضي واجبه، خصوصاً ان رئيس وحدة مكافحة الارهاب التشيخية ليبور لوشمان انتقد عدم تعاون السلطات الروسية مع الجهود الاوروبية المشتركة لمحاربة الارهاب. وذكر مسؤول في حكومة اوسيتيا ان المسلحين تنكروا على هيئة عمال بناء في تموز يوليو الماضي، وادخلوا قنابل وألغاماً وقاذفات صواريخ اضافة الى اسلحة اخرى، ادعوا انها مواد بناء. واشار الى انهم دخلوا المنطقة قادمين من نقاط التفتيش الحدودية مع الشيشان. وفي سياق الصدمة الدولية، حذر البابا يوحنا بولس الثاني الحكومة الروسية من تصعيد حدة التوتر في شمال القوقاز. جنسيات الخاطفين الغامضة في غضون ذلك، تناقل المسؤولون الروس والشيشان روايتين مختلفتين في شأن الجنسيات الحقيقية للمسلحين ال32 الذين نفذوا العملية، علماً ان الشرطة الروسية اعلنت اعتقال ثلاثة اشخاص، بينهم امرأة، للاشتباه بضلوعهم في تنظيم العملية. وزعم الروس ان مجموعة الخاطفين الذين قتل 30 منهم، تشكلت من جنسيات مختلفة وارتبطت بالقائدين الشيشانيين المتمردين شامل باساييف ودوكو اوماروف، وحصلت على التمويل الخاص بالعملية من مصادر تابعة لتنظيم "القاعدة". اما القائد الشيشاني المتمرد ايضاً احمد زاكاييف والمتواجد في اوروبا، فاشار الى احتمال كون المهاجمين اوسيتيين وروساً او انغوشيين، ولكن ليسوا شيشانيين. وحدد موقع مركز "قوقاز" المؤيد للمتمردين الشيشان على شبكة الانترنت هوية قادة الخاطفين بأنهم اوسيتيين من الاقلية المسلمة في الجمهورية. ولعل الروايتين يمكن ان تعززا احتمال مشاركة مقاتلين عرب في العملية، علماً ان السلطات الروسية تعتقد بأن الانغوشي ماغوميت ييفلوييف المعروف بإسم "ماغاس"، وفلاديمير خودوف الملقب بإسم "عبدالله" والذي يقيم في اوسيتيا الشمالية، انضما الى مجموعة الخاطفين. وهما تورطا بحسب السلطات نفسها في محاولة اغتيال وزير الداخلية الانغوشي في حزيران يونيو الماضي ويخضعان لاشراف باساييف واوماروف. وبالتطرق الى الابعاد التي كشفتها العملية، فأولها ان ظاهرة عدم الاستقرار الامني باتت اكثر انتشاراً مجدداً خارج الشيشان، خصوصاً ان الاسبوعين الاخيرين شهدا ايضاً تفجير طائرتين في موسكو، وتنفيذ هجوم انتحاري في محطة قطارات جنوب البلاد. ويعني ذلك ان الشيشان التزموا بوعدهم بنقل دائرة العنف الى خارج مناطق المواجهة الاعتيادية مع الروس، واستهدفوا اوسيتيا الشمالية احدى الجمهوريات الاكثر ولاء لموسكو. واكد استهداف العملية الاخيرة للاطفال زيادة نزعة التطرف لدى اعداء روسيا، الامر الذي عززه ايضاً ورود انباء اخيراً عن اطاحة الراديكاليين الشيشان من امثال باساييف واوماروف وقائد جماعة "الاسلاميين الشيشان" السعودي الاصل "ابو الوليد" زعيم المقاومين اصلان مسخادوف.