يقول "رئيس الحكومة" في السليمانية عمر فتاح: "اولوياتنا بعد 1991 كانت اعادة الاعمار المنطقة. فمنطقتنا كانت مدمرة. ونزوح ومشاكل اقتصادية وتعليمية وصحية وغيرها. وكان من اولوياتنا ايضاً تغيير النظام الدكتاتوري في بغداد. اما الآن بعد سقوط نظام صدام، تغيرت الاولويات: جهودنا لاسقاط صدام تحولت الى محاولة تثبيت الشعارات والمبادئ التي ناضلنا من اجلها: بناء عراقي ديموقراطي فيديرالي متعدد تكون السيادة فيه للشعب. وقررنا العيش والبقاء في العراق الواحد شرط تحقيق الحقوق القومية للاكراد". واوضح ان"الحقوق مطالب انسانية: توزيع السلطات عن المركز وضمان اقامة نظام ديموقراطي فيديرالي لضمان عدم تكرار المآسي التي عانى منها الشعب العراقي وخصوصاً الاكراد". وأضاف "اولوياتنا كأكراد حالياً حسم مصير كردستان عبر تقنين الاتفاقات التي توصلنا اليها مع القوى السياسية العراقية حينما كانت في المعارضة، في مؤتمرات واشنطن ولندن وصلاح الدين، التي تنص على اقامة عراق ديموقراطي فيديرالي تعددي يحترم الحقوق القومية للاكراد". لكن بعد سقوط نظام صدام حسين في نيسان ابريل العام الماضي ومشاركة معظم القوى السياسية المعارضة في الحكم في بغداد ظهرت مستجدات وحصلت تطورات سببت قلقاً لدى الاكراد من امكان تنفيذ التزامات القوى السياسية، خصوصاً اقرار الحقوق القومية للاكراد كما يرونها. وبات واضحاً ان هناك خشية لدى اطراف عراقية من احتمال انفصال اقليم كردستان في حال تم اقرار الفيديرالية على اساس عرقي علماً بأن زعماء الاكراد لا يتركون مناسبة الا ويؤكدون فيها حرصهم على وحدة العراق، وانهم جزء اساسي منه ولا يريدون الانفصال لكنهم يشترطون "عراقاً ديموقراطياً فيديرالياً يحقق حقوق الاكراد القومية". ويقول فتاح: "نشارك في العملية السياسية في بغداد ونحاول تأمين مصالح شعبنا . نشارك في الحكومة وندعمها على رغم بعض المآخذ لنا عليها" مثل استبعاد وزراء اكراد للدفاع والداخلية والمالية فضلاً عن رئاسة الوزراء او الدولة. ولفت الى ان "نجاح اقليم كردستان سيشكل قوة اضافية الى العراق" واكد وجود تنسيق وتعاون مع الحكومة العراقية: "وزراؤنا يسافرون الى بغداد ويلتقون نظراءهم ويأتي وزراء عراقيون الى كردستان". ورداً على سؤال عن رد فعل حكومة الاقليمية اذا ما برزت خلافات مع الحكومة العراقية قال فتاح: "لحد الآن لم تبرز خلافات رئيسية. هناك خلافات في وجهات النظر، واذا كان الامر محل الخلاف من صلاحيات الاقليم نمضي فيه، اما اذا كان من صلاحيات المركز ورفض فاننا نراعي المركز حرصاً على العلاقات الوحدوية مع العراق". واضاف: "هناك آليات لحل الخلافات، داخل الحكومة العراقية حيث لنا ممثلون، وفي المجلس الوطني". هذا الحرص الكردي على تأكيد الموقف من وحدة العراق وعدم العمل على الانفصال يسمعه المتابع من معظم المسؤولين الاكراد في ادارتي الاقليم. فرئيس المكتب السياسي في الاتحاد الوطني الكردستاني كوسرت رسول يؤكد "حرص الاكراد على اقامة عراق ديموقراطي فيديرالي" وقال: "بعد سقوط نظام صدام حسين توجه الزعيمان جلال طالباني ومسعود بارزاني الى بغداد لتأكيد اننا جزء اصيل من العراق. وتوجهنا الى بغداد للمساهمة في ملء الفراغ السياسي، ولو كنا نرغب بالانفصال لما ذهبنا الى بغداد". ولخص الموقف بالشعار: "كلنا للعراق والعراق للكل". ومع ان الكثير من الاكراد يشعرون بالمرارة من عدم تعريف منطقتهم ب"كردستان" ويقولون حتى ان صدام حسين كان يدعو هذه المنطقة بهذا الاسم، يقول فاضل ميراني، سكرتير الحزب الديموقراطي الكردستاني: "الاسم ليس مشكلة: كردستان او شمال العراق. نحن الآن في مرحلة بناء امتنا" واكد "اننا لا نطالب باستقلالنا عن العراق. لنا بعض المشاكل مع الحكومة المركزية، لكن ليس مع الشعب. والحوار هو الوسيلة الافضل لحل الخلافات. ويضيف: "لو تسأل اي كردي في الشارع الآن لقال انه يريد استقلال كردستان. لكننا نعي تماماً تعقيدات الاوضاع الدولية والاقليمية". واوضح: "افضل حكماً فيديرالياً على الانفصال لأننا سنشارك في كل موارد العراق بدل الاكتفاء بجزء منه". ويخلص ميراني الى ان الاكراد يشددون على "اقامة عراق ديموقراطي. فهذا افضل ضمان لنا كأكراد" واكد ان "عراقاً ديموقراطياً ضعيفاً افضل من عراق ديكتاتوري قوي. واذا نجحنا في اقامة عراق ديموقراطي تعددي فسيكون ذلك عنصراً مساهماً في تطوير المنطقة". ولفت الى ان "جيراننا لا يريدون ذلك لأنه سيؤثر على تطلعات مواطنيهم" وخصوصاً في تركيا. وعلى رغم كل ذلك، لا يخفي الاكراد مرارتهم من مواقف الولاياتالمتحدة وبريطانيا من طموحاتهم. ولم يتردد عدد من المسؤولين والمثقفين عن اتهام واشنطن ولندن ب "خيانة" الاكراد على رغم "الشراكة والتضحيات" التي قدمها الاكراد في عملية "تحرير العراق"، وحذروا من تكرار "التضحية" بالاكراد لحفظ مصالحهما العليا في العراق والمنطقة، كما حصل في معاهدتي سيفر ولوزان مطلع القرن الماضي بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى. لكن العلاقة بين كردستان وبغداد لا تتوقف فقط على رغبات الاكراد وارادتهم. فهناك عوامل كثيرة اقليمية ومحلية تلعب دوراً في تطور هذه العلاقة. ويلفت الاكراد الى ان حرصهم على تأكيد موقفهم من وحدة العراق لم يبدد الشكوك في سعيهم للانفصال، ويشيرون بمرارة الى استمرار "ممارسات صدامية" في بغداد بحقهم، من تجاهل مطالب وتلبية حاجات انسانية. وتقول "وزيرة التربية والتعاليم العالي" بالنيابة في السليمانية شونام عبدالقادر ان "28 ألف طالب يتخرجون سنوياً من المرحلة الثانوية للالتحاق بالجامعات، وتشير الى ان قدرة الجامعات الثلاث في السليمانية واربيل صلاح الدين ودهوك على استيعاب مزيد من الطلاب محدودة. واضافت "لدينا كليتان تابعتان لجامعة السليمانية في كويسنجق، فطلبنا من وزير التعليم العالي في بغداد رخصة بانشاء جامعة رابعة في كويسنجق فرفض" وتساءلت: "ماذا نفعل بالطلاب الذين يريدون الالتحاق بالجامعة ولا قدرة لنا على استيعابهم؟"، مشيرة الى ان الطلاب الاكراد لا يذهبون الى مناطق اخرى في العراق للدراسة بسبب تردي الاوضاع الامنية، فيما يأتي بعض الطلاب للدراسة في جامعة كردستان".