اعتبر وزير خارجية عمان السيد يوسف بن علوي ان تقسيم العراق أو تفككه "غير وارد أبداً، لأن البيئة المحيطة به لا تسمح بذلك". وقال في حديث الى "الحياة" على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، انه "لا مفر أمام العراقيين إلا اللقاء حول طاولة مستديرة يشارك فيه كل العراقيين من جميع المشارب، مقاومة وسياسيين واحزاباً وحكومة ومعارضة، للمصالحة والتوصل الى حل لمستقبل أفضل لبلادهم". ورأى ان العراق الآن يشبه "أرضاً لمن يريد". ولفت الى ان "استقرار العراق مصلحة للعراق وكل جيرانه بمن فيهم اسرائيل. فهي لا تكسب شيئاً في الأوضاع المتفجرة". ولفت الى امكان اجراء الانتخابات في مناطق لا تشهد اضطرابات". واستبعد قيام إسرائيل بضرب المفاعل النووي الايراني، وانتقد "اخواننا الفلسطينيين لأنهم لا يقدمون شيئاً لأنفسهم". ولفت الى ان "القضية الفلسطينية لا علاقة لها بالإرهاب. انها قضية تحرير شعب وتقرير مصيره". وقال انه لا "وجود لإبادة جماعية في دارفور. فهذه ليست من طباع العرب ولا أخلاقهم وهي ضد المبادئ الإسلامية أصلاً". هل بات العراق مستنقعاً للأميركيين؟ وهل فات الأوان لتعافيه؟ - لا بد أن نأخذ في الاعتبار الخلفية التي عاشها الشعب العراقي. منذ 1980 دخل العراق في وضع غير طبيعي: الحرب التي خاضها مع إيران فترة طويلة عشر سنوات لم تكن سهلة. ثم الغلطة التاريخية الكبرى لغزو الكويت وما تلا ذلك من حصار على العراق، إلى الحرب السنة الماضية. فالخروج من كل هذا المسلسل ليس بالأمر السهل، لا للذين أرادوا أن يساعدوا العراق ولا للعراقيين أنفسهم. فهذا مستنقع، لكنه ليس فقط للأميركيين بل للعراقيين أنفسهم. تحدث تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية سي آي اي عن سيناريوات مختلفة ورجح أسوأ النتائج بما فيها تفكك العراق أو تقسيمه؟ - تفكك العراق أمر غير وارد أبداً. لماذا؟ - لأن البيئة المحيطة به لا تسمح بذلك. تقسيمه؟ - ولا تقسيمه. تفككه معناه تقسيمه. منذ بدأت الحرب حتى اليوم كل المؤشرات تدل إلى أن جميع العراقيين، من مختلف المذاهب والمشارب والعرقيات، حريصون على عدم إعطاء أي سبب وأي مبرر يؤدي إلى تقسيم العراق. ما يمر به العراق اليوم لا مفر منه، لأنه بعد هذه الحروب الطويلة والحصار الضخم جاءت القوات الأميركية وأسقطت النظام ومحت كل شيء بناه خلال العصر الحديث. هذا بالضرورة يضع في عقول العراقيين سقفاً عالياً عن المستقبل. ولدى كل عراقي صورة في ذهنه عن مستقبل العراق تختلف عن الآخر. هل يتطلب استقرار العراق بقاء القوات الاميركية فيه لفترة طويلة؟ - كل عراقي تصور مختلف لما ينبغي أن تكون عليه بلاده. انما لا مفر إطلاقاً من ان يلتقي العراقيون حول طاولة مستديرة، جميع العراقيين من كل المشارب، مقاومة وسياسيين واحزاباً وحكومة ومعارضة، الذين مع الأميركيين والذين ضدهم، يلتقون في اطار مؤتمر وطني شامل يناقشون بشفافية وبمسؤولية مستقبل بلادهم. ولدي قناعة بأنهم سيصلون إلى طريق، بما في ذلك علاقتهم مع الأميركيين. يتحدث الآن وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد عن انتخابات أينما كانت ممكنة، حتى لو كانت جزئية. هل ترى أن ذلك ممكناً؟ وهل هذا التوجه صحيح؟ - هذا موضوع يختلف عليه الناس. لكن يمكن إجراؤها بهذه الطريقة. يعني يمكن اجراء الانتخابات في مناطق لا تشهد اضطرابات ويمكن تأمينها عسكرياً. وهل هذا يساهم في وقف الاضطرابات؟ - هذه المسألة يختلف فيها الناس. الحكومة العراقية تقر ان ذلك لن يحل الإشكال. ولكن نظراً لمسؤولية الحكومة الموقتة عليها التزام اجراء الانتخابات التي ستجري بهذه الطريقة إذا لم يمكن اجراؤها في كل العراق. وستظهر هذه الانتخابات فئة أخرى هي بالتأكيد أفضل من الوضع الحالي. بمعنى أنه على الأقل استطاع جزء من العراقيين تحديد ممثليهم. وهذا أفضل من الوضع الحالي، من حكومة موقتة تم الاعتراف بها بموجب قرار من الأممالمتحدة وبتحويل المسؤولية من الاحتلال إليهم. لكنها ليست الأفضل في كل الأحوال. ماذا تقدمون من جهتكم كمجلس تعاون وكعُمان، للعراقيين؟ يقول العراقيون أنهم يتسلمون من الدول العربية مجرد كلام أو وعود فارغة؟ - الوضع في العراق غير مستقر. نسمع كل يوم عمليات خطف وقتل وتفجيرات. في هذه البيئة ماذا يستطيع الانسان أن يقدم؟ يعني ماذا يستطيع العراقيون أن يقدموا لأنفسهم أولاً؟ لا يقدمون لأنفسهم إلا هذا الذي نراه كل يوم. لدينا ما نقدمه للعراق، لكن في ظل ظروف أفضل لا يستطيع تأمينها غيرهم. وإذا كانوا غير قادرين؟ لا يمكننا. أصحاب البلد هم الذين لهم مصلحة في ذلك أولاً. لا مجال، اذن، لتلك الفكرة القائمة على تقديم الدول العربية أو الإسلامية قوات للمساعدة في العراق؟ - المسألة ليست مسألة قوات. المسألة هي مصالحة بين العراقيين أنفسهم. القوة لا يمكن أن تصنع المصالحة ولا السلام. وهذه ليست معركة كي تُرسل قوات. يقول أياد علاوي، كما يقول جورج بوش، ان العراق هو الجبهة الرئيسية في الحرب على الإرهاب. نفهم قول الرئيس بوش إنه يريد إبعاد هذه الحرب عن المدن الأميركية. إنما هل ترى خطأ أو تتفهم موافقة رئيس الوزراء العراقي على أن يكون العراق جبهة في الحرب على الارهاب؟ - كل التقارير والمؤشرات تشير إلى أنه إلى جانب المقاومة العراقية هناك تنظيمات إجرامية ومنظمات إرهابية، وهناك أيضا صفقات جارية. هناك كل شيء. العراق الآن يشبه وصف "أرضاً لمن يريد". ففي هذه الحال يتوقع الإنسان كل شيء. من ينتصر في هذه الحرب؟ حرب الإرهاب القائمة على الساحة العراقية؟ - لنأخذ التجارب: في النهاية ستسقط أصوات القنابل والسيارات المفخخة والخطف. النهاية قد تكون 6 أشهر أو 3 سنين أو 7 سنين. وسيعود العراقيون إلى الحقيقة، وهي أنهم ينبغي أن يتصالحوا ويتفقوا في ما بينهم على مستقبل يكون مفيداً للجميع. حصل ذلك في البوسنة والهرسك وصربيا والجزائر والخ. كم سنة تتوقع بقاء القوات الأميركية في العراق؟ - كم سنة توقعنا أن يبقى الحصار أو تطول الحرب العراقية - الإيرانية؟ إذا اتفق جميع المهتمين بالعراق على مساعدة العراقيين، وقبل العراقيون بذلك، أعتقد في حدود سنتين أو ثلاث سنوات سيكون الأمر مختلفاً. يوجد كلام عن آلية تنسيق وتعاون أميركي سوري عراقي جديد من نوعه، خصوصاً بعد قرار مجلس الأمن 1559. هل هذه النقلة النوعية ستؤثر فعلاً في الحرب على القوى الإرهابية داخل العراق؟ - الأمر لا ينبغي أن ينظر اليه فقط من زاوية العسكرة. العراق المستقر فائدته للعراقيين ولجيران العراق وأصدقائه أفضل بكثير من عراق غير مستقر. ولذلك كل واحد يبحث عن مصلحته. عندما اجتمعت مع وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي، هل تحدثتما عن نوعية الدور الإيراني المطلوب في العراق الآن سيما وأن إيران متهمة بالتدخل السلبي في العراق؟ - الجوار الرسمي يسعى لأن يكون العراق بلداً مستقراً. أما الجوار الطبيعي ففيه الكثير من المفارقات والمتعارضات، لأن الجوار الرسمي ليس كله بيد إنسان واحد. فهناك مصالح ضخمة، ونحن نعرف حجم تلك المصالح نتيجة لهذا الجوار أيام الحكم السابق، وكانت تقدر بالبلايين، مثل قضايا التهريب وغيرها. فينبغي السيطرة على الجوار للمساهمة في الاستقرار. وليس من مصلحة إيران ولا السعودية ولا سورية ولا أي جار أن يخلق مشاكل ويثير النار بجانبه. هل ترى أن التعاون الاستخباراتي على الحدود يساهم في الاستقرار؟ - ليس فقط في المجال المحدود العسكري الاستخباراتي. انظر إلى ما هو أوسع من ذلك. مثلاً الصلة بين سورية والعراق، من الناحية الاجتماعية أو السياسية، هذه العلاقة العضوية التي تربط البلدين أمر هائل إذا استخدمت كل هذه الوسائل في سبيل استقرار العراق فهذا شيء جيد. الصلات بين إيرانوالعراق هائلة أيضاً. فعدد الحجاج الذين يأتون إلى العراق كل سنة يزيد على 15 مليون. وهذا شيء تاريخي وشيء لا يمكن السيطرة عليه أو قطعه أو منعه. ما يتردد الآن عن ضغوط أميركية على إيران والكلام عن احتمال ضربة توجهها إسرائيل للمفاعل النووي الايراني. هل هنالك مخاوف من أن تصل الأمور إلى هذا الحد؟ - لتوتر في العلاقات بين ايران وأميركا قائم من أيام الثورة الإيرانية وليس حديثاً. يزيد أو ينقص وفقاً لتطورات الأوضاع. أتخشى أن تقوم إسرائيل بضربة استباقية؟ لا... لا أعتقد. لماذا؟ - أعتقد أن الجميع حريص على أن يبذل جهوداً لاستقرار الأوضاع وليس لتفجيرها، بما في ذلك إسرائيل طبعاً لأن من مصلحتها أن تكون الأوضاع مستقرة في المنطقة لا متفجرة. فهي لا تكسب شيئاً في الأوضاع المتفجرة. لماذا تريد إسرائيل الاستقرار للدول العربية المجاورة؟ - لتستقر هي، إذا استقرت الدول العربية ستستقر هي. أنت لا تأخذ على محمل الجد التهديدات الاسرائيلية لايران بعدم استبعاد الخيار العسكري للرد على القدرات النووية الإيرانية؟ - في إطار السياسة الداخلية الإسرائيلية، وفي إطار التركيبة الديموقراطية، كل شيء له علاقة بالسياسة الداخلية. كل ما يقوله أي وزير لا بد أن يكون محسوباً كم سيؤثر إيجابياً عليه أو سلبياً. السيد الوزير، لماذا تجتمعون بوزير الخارجية الإسرائيلي طالما أن إسرائيل لا تقدم شيئاً للفلسطينيين وأنتم تبدون وكأنكم تستعدون للتطبيع معهم؟ - اخواننا الفلسطينيون لا يقدمون شيئاً لأنفسهم. ينبغي أن يقدموا لأنفسهم أفضل من الشيء الذي هم عليه الآن. ماذا تعني؟ التخلص من ياسر عرفات؟ - هل لا بد أن يكون في تفكيرنا التخلص من كل شيء؟ ماذا تعني؟ - ينبغي عليهم أن ينظروا إلى أن مصلحتهم تكمن في أن يكونوا نظرة واحدة، يداً واحدة، لعمل واحد، بتوجه واحد. القبول بفك الارتباط من غزة مثلاً؟ - هذا أمر سيحصل. وأعتقد في هذا الجانب أن الفلسطينيين ليسوا مختلفين في ما بينهم. بل هم متفقون على الترحيب بانسحاب اسرائيل من غزة وأي منطقة في فلسطين. أكرر أن الفلسطينيين لم يقدموا شيئاً لأنفسهم. هذا الجدار لم ينشأ إلا بعدما شعر الإسرائيليون أن الفلسطينيين مختلفون في ما بينهم. عندما اختلف الفلسطينيون في ما بينهم استطاعت إسرائيل أن تبني الجدار. إنما غير طبيعي تحميل الفلسطينيين وحدهم المسؤولية؟ - أنا لم أقل وحدهم. لكن سبب كثير من التداعيات ظهور الفلسطينيين على المسرح الدولي كأنهم مختلفون في ما بينهم. ماذا بحثتم مع وزير الخارجية الاسرائيلي لدى اجتماعكما؟ هل بحثتما مصير ياسر عرفات أو فلسطين أو إيران؟ - أكيد بحثنا قضية فلسطين. بالنسبة لنا كعرب وبالنسبة لهم كإسرائيليين معالمها محددة. هذا احتلال ينبغي أن يزول. دولة فلسطينية ينبغي أن تنشأ. هم يقولون نحن مستعدون للمفاوضات لكن أوقفوا الإرهاب. ونحن نقول أن الإرهاب له بواعث، ينبغي أن تنتهي. وهذا هو الجدل الذي لا يؤدي إلى نتيجة، لكن هذا الجدل مطلوب الآن ... القضية الفلسطينية لا علاقة لها بالإرهاب. هذه أرض محتلة من قِبَل إسرائيل وهناك العشرات من القرارات الدولية التي أعطت للفلسطينيين حق تقرير المصير. وهذه القضية إنسانية. قضية تحرير وتقرير المصير. الأميركيون لا يوافقون معكم إطلاقاً؟ - بالعكس. الأميركيون هم أول من وافق، بدليل أنهم هم الذين قرروا إنشاء الدولة الفلسطينية وأول من نادى بإنشاء الدولة الفلسطينية. وملفات وزارة الخارجية مليئة بالوثائق التي تقول أن الفلسطينيين لهم الحق في العودة، وهناك اتفاق بإزالة كل المطالبات والملاحقات وكل ما له علاقة بهذا الشيء بعد أوسلو. ثم جُمد كل شيء باسم تقنين القضية الفلسطينية في اجراءات الإرهاب؟ - الصراع على الأرض في فلسطين بين الفلسطينيين والاسرائيليين لا علاقة له بموضوع الإرهاب الدولي. الفلسطينيون يهاجمون في بيوتهم ليل نهار ولهم الحق بالرد على هذا الاعتداء بالطريقة وبالقدرة المتاحة لديهم. هل تعتقد أن الخروج من المأزق الذي وقع فيه الفلسطينيون الآن يتطلب تنحي الرئيس عرفات عن السلطة؟ وهل سيساعد ذلك في تهدئة الأمور؟ - ليس بالضرورة. هذه النظرية ينبغي ألا تذكر أصلاً. فياسر عرفات هو الرئيس الفلسطيني المنتخب، وهو رمز الشعب الفلسطيني. لكنه دخل في خلاف مع الولاياتالمتحدة. أقول ذلك لأن الرئيس الأميركي في خطابه أمام الجمعية العامة دعا العالم أجمع إلى التخلي عن الرئيس الفلسطيني؟ - هذا ليس بجديد. ولكن ما هي مسبباته؟ هناك خلاف بين الرئيس الفلسطيني والإدارة الأميركية على أمور جوهرية. وإذا اختلف الناس كل يقول رأيه. ذكر الرئيس الأميركي أفغانستانوالعراق كنموذجين للحرية والديموقراطية وقال أن لا مجال لحل النزاع العربي - الإسرائيلي قبل إتمام الإصلاح والديموقراطية في العالم العربي. ما هو رأيك؟ - نعتقد انه يجب النظر في الأسباب التي أدت إلى قيام هذه الموجة من الإرهاب والعمل على معالجتها. وأحد هذه الأسباب استمرار عدم حل القضية الفلسطينية،. رأينا واضح. وهم لهم رأي آخر. مهمتنا هي التطوير والتحديث دائماً. والديموقراطية هي عملية مستمرة.