لا يمكن أن يفوت المسافر من طرطوس إلى اللاذقية عبر الطريق الساحلي إلا أن يشاهد أكبر قلاع الساحل السوري وأضخمها وهي تتربع فوق الجبل القريب من شاطئ البحر وكأنها سفينة رست فوق قمته لتطل على الساحل السوري والجبال المحيطة به. وقبل أن يصل المسافر عبر هذه الطريق إلى بانياس بحوالي خمسة كيلومترات، تقع قلعة المرقب الى جانب القرية المسماة باسمها والتي تشكلت بعد إخراج الأهالي من القلعة التي كان جانب كبير منها سكناً لهؤلاء. يصعد إلى القلعة التي ترتفع 370 متراً عن سطح البحر كل من يقصد زيارتها من قلب مدينة بانياس الساحلية 35 كلم شمال طرطوس ليكتشف موقعها الاستراتيجي والخندق المحيط بها وجدرانها العالية وتحصيناتها المنيعة وطرق بنائها المختلفة وامتدادها الواسع الذي يصل إلى عشرة ألاف هكتار. تقسم القلعة التي بناها العرب المسلمون سنة 1052 ميلادية إلى قسمين كبيرين، أولهما القلعة الخارجية التي تشمل الأبنية السكنية وتقع في الجهة الشمالية الشرقية وتنمو فيها الآن الأشجار والنباتات الحرجية لتغطي معالم ما تبقى من البيوت السكنية فلا يظهر منها إلا الأجزاء العلوية بعدما أُخرج الأهالي منها ليشكلوا القرية الجديدة الواقعة إلى الشرق والشمال من القلعة على قمة جبل أقل إرتفاعاً منها. أما القلعة الداخلية الواقعة في الجنوب الغربي من الكتلة الكلية للقلعة، والتي تشتمل على الأبنية الدفاعية والتحصينات، فيحيط بها سوران كبيران أحدهما خارجي والآخر داخلي زيادة في التحصين. ويتوزع على السور الخارجي أربعة عشر برجاً دفاعياً منها ما هو مستطيل الشكل ومنها ما هو دائري، أبرزها برج الفرسان وبرج قلاوون والبرج الشمالي. يتصل السور الخارجي بالسور الداخلي، أي المنطقة الدفاعية الأولى بالأخيرة من خلال برج البوابة الداخلي بواسطة مدخل يصل إلى باحة سماوية في وسطها فوهة تتصل بخزان كبير للماء. وتطل على الساحة كتل معمارية عدة أهمها بناء الكنيسة المستطيل وقاعة الفرسان الواقعة بين الكنيسة والبرج الجنوبي. اما القاعة الكبيرة في غرب الباحة فتشمل عدداً من الأروقة المعقودة. ويقول رئيس دائرة آثار طرطوس المهندس مروان الحسن ل"الحياة": "هذه القاعة كانت لاجتماعات القادة العسكريين وتقوم بجانبها غرفة ديوان الملك المخصصة للنزلاء والضيوف وفي الجهة الشمالية تقع أبنية متهدمة، وهناك خندق ما تزال آثاره واضحة يفصل القلعة عن المنطقة الشمالية التي شملت مباني سكان القلعة ومقابرهم قبل إخلائها". ويذكر الحسن أن دائرته تقوم سنوياً بإعداد دراسات الترميم والصيانة لكل الأجزاء المتداعية من القلعة، مبيناً أنه تم تنفيذ خطة الترميم خلال العام الماضي بقيمة 22 ألف دولار أميركي. ويوضح المهندس مالك شريف أمين القلعة ل"الحياة" أنه تم تنفيذ مجموعة من الأعمال في القلعة منها فتح مسار للسياح بين السورين الداخلي والخارجي وتعزيل بعض الأقبية، إضافة إلى عزل السطوح بالكلس بعد إزالة الأتربة. كما أعيد بناء بعض الجدران في الجزء الجنوبي وتكحيل الأقواس الداعمة للجدران وضبط أطاريف الجدران والسطوح لمنع رشح المياه. وتم جر مياه الى القلعة وبناء كافتيريا مقابل الباب الغربي وتركيب موانع صواعق على الأجزاء المرتفعة منها. وذكر المهندس شريف أن مشروعات الترميم المقبلة ستركز على دعم السور الخارجي وإعادة بناء وتكحيل بعض الأجزاء الداخلية لتحقيق الأمان للسياح. وكشف رئيس دائرة آثار طرطوس عن وجود لجنة من المديرية العامة للآثار والمتاحف مهمتها المشاركة في أعمال المشروع السوري الأوروبي لوضع منهج عمل نموذجي لحماية القلعة وتأهيلها ضمن مشروع الاتحاد الأوروبي لإعادة تأهيل التحصينات على البحر المتوسط، وتم اختيار قلعة المرقب من سورية ليشملها هذا المشروع الذي يضم موقعاً من كل دولة.