تحاول الحكومة التركية أن تحظى برضا الاتحاد الأوروبي لتنال عضويتها في الاتحاد، وذلك من خلال محاولاتها الشاقة تحسين ملفات حقوق الانسان لديها، وتعاملها مع المشكلة الكردية. فأفرجت عن أربعة من السياسيين الكرد، وأولهم البرلمانية ليلى زانا بعد 10 سنوات قضوها في السجن. وخصصت نصف ساعة باللغة الكردية في قنواتها التلفزيونية. لكن السجون التركية لا تزال تحوي الآلاف من السياسيين الكرد وحتى الترك. وتتدخل تركيا في شؤون أكراد العراق. والاتفاقيات التي أبرمتها مع الحكومة السورية تعتبر المشكلة الكردية خطاً أحمر، وتقضي بتسليم عناصر "العمال الكردستاني" في سورية للأمن التركي. وكذلك الحكومة الايرانية شمت رائحة الخطر الكردي بعد سقوط صدام، وتحول الأكراد في العراق الى لعب دور "الطفل المدلل" لدى الادارة الأميركية. فبادرت الى الاتصالات المكوكية مع الحزب الديموقراطي الكردستاني ايران، وعرضت على قيادته الدخول في حوار لحل مشكلات أكراد ايران، شرط أن تظل المفاوضات سرية. ولكن الأكراد اشترطوا العلنية وإشراف جهات دولية على هذه المفاوضات، فتهربت الحكومة الايرانية. وبعد نضال مرير، وقتال شديد مع صدام المهزوم، ونيل شعب العراق حريته، وتحرير العراق من قوات التحالف، هناك مؤشرات خطيرة لسعي بعض الاطراف والشخصيات في الانقضاض على المكاسب التي اجتمع واتفق حلفاء الأمس في صلاح الدين ولندن وأربيل، وكذلك في بغداد، وقبلوا بها، فأعلنوا دستور الحكومة العراقية الموقتة التي وحدت مصالح المعارضة العراقية. وأكد الرئيس العراقي غازي الياور ان "حكومته ستدعم تجربة الحكم الذاتي في المناطق الكردية. ولن تعيد النظر في الفيديرالية وان الفيديرالية في كردستان سفينة لتقريب اجزاء الوطن". وهذه التصريحات لم تلقَ ترحيباً لدى مقتدى الصدر وأعوانه، ولا لدى السيد السيستاني. ويتخوف الكرد من خذلان أميركي لحقوقهم وطموحاتهم. وهذا ما عبر عنه البارزاني والطالباني في الرسالة التي وجهاها الى الرئيس جورج بوش حين التصويت على القرار 1546 في مجلس الأمن. فلفت الزعيمان الكرديان الى أن الخذلان الأميركي للأكراد شق طريقه الى العلاقات الأميركية - الكردية منذ مدة، وتجسد ذلك في نقاط أهمها: 1 - إحجام الحكومة الأميركية أو ادارة الحلفاء عن ذكر اسم كردستان أو الشعب الكردي. 2 - عدم سماح الادارة الأميركية لأي كردي بإشغال منصبي رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية. 3 - برنامج "النفط مقابل الغذاء"، وكان أفرد حصصاً لكردستان أعيد توزيعها على بقية العراق، فباتت حصة المواطن العراقي الكردي أقل بكثير من حصة بقية العراقيين. وهذا انقلاب اميركي على الأكراد يبعث الاحساس بالمرارة. أما المشكلة الكردية في سورية فقد بدأت منذ تسلم حزب البعث السلطة، عام 1963، وتغير حال الأكراد بعدها. الأكراد الذين وقفوا في وجه الاستعمار الفرنسي، رافضين العروض الفرنسية المغرية عرض الاستعمار الفرنسي إقامة دولة كردية في الجزيرة شمال سورية في مقابل عدم الحرب ضدهم، طبقت في حقهم اجراءات استثنائية. فجرد 120 ألف مواطن كردي سوري من الجنسية السورية، واعتبروا أجانب في بلدهم. وطبق "الحزام العربي" عليهم في 1973، على طول الحدود السورية - التركية 375 كلم، وعرض 10 - 15 كلم. فحرم الفلاحون الكرد من أراضيهم الزراعية، ومن الحقوق الثقافية والسياسية. وأسفرت حوادث 12 آذار مارس 2004 في القامشلي عن مقتل 30 كردياً واثنين من رجال الأمن، واعتقال الآلاف. وحاولت الحكومة تفادي أزمة فوعدت بحل مشكلة المجردين من الجنسية، وأطلقت سراح كثير من السجناء الكرد، ولاحظت أن أكراد سورية يرفضون الاعتماد على الخارج في تحقيق طروحاتهم القومية. ولكن ما أقلق الأكراد هو قرار الحكومة السورية حل الأحزاب الكردية، وتحويلها الى نوادٍ ثقافية. وهذه سياسة سورية غير متوازنة تجاه الأكراد. إن الأكراد تعرضوا ويتعرضون لمؤامرات اقليمية ودولية، على رغم نضالهم المرير في سبيل طموحاتهم وآمالهم القومية. إلا أنهم لا يزالون محكومين بظروف اقليمية ودولية. وهذا ما يفسر دوماً وقوعهم في فِخاخ واستخدامهم كورقة ضغط على طاولة الساسة الدوليين والاقليميين. بيروت - جهاد صالح [email protected]