ما الذي يدعو المرء إلى أن يبحث عن الحب لدى "لبوة" أو "ضبعة" أو عن الدفء في حضن الذئب الذي أضحى مضرب المثل لدى عرب الجزيرة العربية في شطارته وشراسته معاً؟ كيف تمسي الأفعى السامة مبعثاً للبهجة والحفاوة البالغة؟ سؤالان تتفرع عنهما أسئلة بعدد الحيوانات المفترسة والزواحف بأجناسها المختلفة، لكن للسعوديين إجابة واحدة: "وللناس في ما يعشقون مذاهب". هنا، في السعودية، إسرح بخيالك، واختر أي حيوان مفترس ولن تعاني كثيراً في البحث عن هاوٍ يروضه، ويستمتع بالمغامرة معه، ابتداء بسيد الغابة الأسد وانتهاء بغول الرمال الذهبية العقرب الأسود. فقد غدت هذه الهواية في المملكة أحد أبرز ملامح النشاط السياحي، التي تجلب سياح الداخل. ولم تعد حدائق الحيوانات قادرة وحدها على تلبية كل مطالب الجماهير، فراحت المتنزهات المحلية تتسابق في التعاقد مع الشركات العالمية، محاولة ارضاء روادها الباحثين عن "الحب" بين فكي الأسد وذيل العقرب الرهيب. ويشير مسؤول التنشيط السياحي في "مجمع الحكير الترفيهي" إلى أن الهواة المحليين ينقصهم الاحتراف الكافي غالباً لتقديم مهاراتهم للرواد. ويقول إن "الغالبية منهم تمارس هوايتها بمستوى عال من المخاطرة، لا يتناسب مع طبيعة المتنزهات". في جدة غرب حيث أقيم مهرجان ضخم ضمن 9 مهرجانات أقيمت في كل أنحاء السعودية، اجتهدت "قرية مرسال" الترفيهية في محاولة جذب أكبر عدد من قاصدي مهرجان "جدة غير". وكشف مصدر في المؤسسة أنها "استثمرت قرابة عشرين مليون ريال لمهرجانات القرية وفاعلياتها صيف هذا العام، ونظمت برامج تقام للمرة الأولى على أرض المملكة والشرق الأوسط". وقدم في هذا السياق الكثير من العروض البهلوانية والبرامج الترفيهية بصفة مجانية للزوار، إضافة إلى الجوائز النقدية ضمن برامج المسابقات اليومية، لكن المذهل أن تلك الفاعليات مجتمعة يطغى عليها ترويض الحيوانات المفترسة. عدد من المهتمين بهذه الهواية يتساءلون عما إذا كان مروضو الحيوانات يستخدمون "الجن" في السيطرة على تلك الحيوانات المفترسة. ويقول أحمد العلي 16 عاماً: "لا أصدق ما أرى، لا بد أن يكون هناك سر، ما مكّن هذا الرجل من الاستعراض بهذه الطريقة الشرسة". ويقول الشيخ عمر بن فهد الشمري لدى سؤاله عما إذا كان ترويض الحيوانات المفترسة ضرباً من السحر، إن "ذلك غير مستبعد، إذ ان ترويضها قد يتم بالاستعانة بالشياطين، أو بواسطة اعطائها دواءً مخدراً، يساعد على ترويضها". "الحياة" زارت أحد أشهر الهواة في حي البديعة، أبو جراح فهد الشويعر 45 عاماً الذي انشأ في الرياض مزرعة حشد فيها 50 رأساً من أخطر الحيوانات المفترسة في الجزيرة العربية. ولا ينقصه سوى الأسد والنمر اللذين يقول عنهما "إنهما في الطريق". ويوضح ابو جراح انه بدأ هواية تربية الحيوانات المفترسة في وقت مبكر من حياته متأثراً بالأساطير الشعبية التي كان يسمعها عن بعض تلك الحيوانات كالذئب. فضلاً عن ميله الى استكشاف امكان ترويض بعض الحيوانات المفترسة التي لم تجر العادة على ترويضها كالضبع. ويؤكد انه اكتشف أن الحيوان يمتلك عاطفة جياشة تفوق عاطفة الانسان، كما أنه دهش من وفاء الضبعة والذئب اللذين رباهما بنفسه على عكس ما أشيع عن هذين الحيوانين، من الغدر والخيانة والشراسة. ويرجع ولع أبو جراح بترويض الذئاب خصوصاً، كما يقول، إلى رغبة في رد المعروف للذئب الذي يقول إنه حمى قبل قرنين من الزمن فراج بن ريفه القحطاني. وتبدأ الحكاية عند اللحظة التي ارتكب فيها فراج هذا جناية أحوجته إلى الغياب عن أنظار الناس، فهام على وجهه في ناحية من صحراء الجزيرة العربية. غير أنه ولما جن الليل، سمع الذئاب حوله تعوي، فخشي أن يكون فريستها تلك الليلة، لكن كهلاً من الذئاب أثارت حالة فراج عطفه، فحماه من بقية زملائه، وأتاه بشاة نافقة، لكن بن ريفه لا يستطيع أكل الميتة المحرمة شرعاً، ما دفع الذئب إلى تكرار الغارة ليأتي بكبش في رمقه الأخير، ليذبحه فراج بسكينه ويأكل من لحمه. وظل الرجل في ضيافة الذئب حتى خرج في طلبه قوم من عشيرته بعد أن أحرزوا أماناً له، لكنه اشترط للعودة معهم أن يضمنوا لصاحبه الذئب عيشاً سعيداً معه. ويتابع ابو جراح رواية الأسطورة: "ومضى فراج وخليله الذئب على مودة بالغة يرد له المعروف حتى تسللت يد الغدر إلى الذئب وقتلته حسداً على ما يلقى من تكريم على يد فراج". الشاب ناصر الأحمدي 24 عاماً من منطقة المدينةالمنورة يعد أحد أبرز عشاق ترويض الحيوانات، لكن الغريب في الأمر النوع الذي يمنحه عنايته وهو الثعابين، يقول: "اتجهت إلى تربية الثعابين والأفاعي منذ سبع سنوات تقريباً عندما تلقيت ثعباناً هدية من أحد أقاربي بعدما لاحظ اهتمامي وحرصي على جلبها من مناطق صحراوية مختلفة، وعندئذ تولدت لدي فكرة اقتنائها وتعرفت على مستلزمات العناية بها، إلى أن أصبحت أعتمد على نفسي في تربيتها وتوفير نفقتها". ويضيف: "تطورت هوايتي بعد ذلك حتى استطعت جمع 16 نوعاً من الأفاعي المختلفة الألوان والأحجام، لكن ما أتعبني كثيراً هو محاولة البحث عن كل جديد في الموسوعات والكتب الخاصة بتربية الثعابين، لاكتساب معلومات تجعلني أعرف كيف أعالج أمراض ثعابيني بنفسي في حال تدهور صحتها، وهذا ما أصبحت أمارسه اليوم، بفضل ما تتيحه لي التقنيات الحديثة".