من يُصدّق أن غولدا مائير، الإسرائيلية الصهيونية المتطرفة، كان لها عشيق لبناني - فلسطيني يدعى ألبير فرعون. قصة الحب التي دامت سنواتٍ عدة ليست من نسج الخيال وإن يصعب تصديقها. وتفاصيلها المثيرة نجدها في رواية سليم نصيب الجديدة un amant en Palestine عشيق في فلسطين، الصادرة حديثاً لدى دار روبير لافون الفرنسية، وتغطي مرحلة مهمة من تاريخ فلسطين تمتد من بداية الانتداب البريطاني عام 1920 حتى إعلان دولة إسرائيل عام 1948. رواية آسرة منذ الصفحات الأولى، لا لأهمية المعلومات عن بطليها وطبيعة علاقتهما التي استمدها نصيب من خلال صديقه فؤاد الخوري، حفيد ألبير فرعون، ولكن أيضاً لأن الأسلوب الذي اعتمده الروائي اللبناني لحبك القصة يجمع رومانسية مؤثرة ودقة في المعطيات التاريخية والسوسيولوجية. يبدأ نصيب بتحديد الظروف التاريخية والاجتماعية التي ستؤدي إلى لقاء ألبير وغولدا. فعند بداية العشرينات، كانت هجرة اليهود من روسيا وأوروبا الشرقية إلى فلسطين قد بدأت على أثر المجازر التي تعرّضوا إليها والدعاية الصهيونية النشطة التي كانت تؤجج فيهم مشاعر العودة إلى "أرض الميعاد"، متغافلة وجود شعبٍ آخر على هذه الأرض. خلال تلك الفترة، كانت غولدا المولودة في كييف اوكرانيا وصلت إلى فلسطين مع عددٍ محدودٍ من اليهود وبدأت تعيش سعيدة في كيبوتس "مرهافيا" وتنشط سياسياً في أوساط اليهود الوافدين. ونظراً إلى دورها القيادي سمَح لها، ولها فقط، بالعيش مع زوجها داخل الكيبوتس على رغم القواعد الصارمة التي كانت تمنع أي حياة خاصة أو حميمة بين شخصين داخله. لكن صحة زوجها تدهورت على نحو خطير فاضطرت غولدا للانتقال معه إلى القدس عام 1923 حيث عاشت أربع سنوات حياة زوجية عادية، بعيداً من أي نشاط سياسي، وأنجبت طفلين له. لكنها ما لبثت ان لاحظت أن هذه الحياة ليست لها فغادرت القدس إلى تل أبيب حيث توصلت الى أرفع المناصب إلى جانب بن غوريون وبن زفي رئيس الهاغانا وسواهما. يصفه المؤلف بقوله: "كانت غولدا آنذاك ذات شعرٍ كثيفٍ وطويل يُبرز وجهها، وكان جمالها مشحوذاً وجسدها قوياً جعلته المحن صلباً. تتركز إرادتها في شفتيها الحادتين كالشفرة. وفي عينيها نارٌ ورغبةٌ رهيبة في افتراس العالم". ويضيف أنها كانت "مُوَسوَسة" من المشاعر المعادية للسامية التي عرفتها في روسيا، وكانت تردد القصص الرهيبة ذاتها التي حصلت نتيجة هذه المشاعر. أما ألبير فرعون فكان سليل عائلة لبنانية غنية وصاحب مصرف، يعيش في بيروت مع عائلته ويكره الاجتماعيات مفضلاً الخَيل، شغفه الوحيد. كان يتردد غالباً إلى حيفا حيث وُلِد قبل أن يستقر نهائياً فيها متخلياً عن زوجته وولدَيه. لكنه كان يحب بيروت وشاطئها كما يحب السفر إلى أوروبا، مما دفعه إلى العيش بين شرقٍ وغربٍ طوال أربع سنوات حتى عام 1928. بعد أسابيع من العزلة في منزله الجميل في حيفا، يقرر ألبير تلبية دعوة من المندوب السامي للاحتفال بعيد ميلاد ملك بريطانيا. هناك يتعرف الى غولدا. شاهدها محاطة بصقور الصهيونية وأركانها، تتحرّك وتتكلم وتضحك بحرية كبيرة بينما ينسدل شعرها الأسود الكثيف على كتفيها، مرتدية فستاناً بلون البيج متواضعاً وكانت تبدو به كعاملة في ثياب الأحد. أما هي، فتلاحظه حين يقوم مختار حيفا العربي بتعريف ديفيد رامز عليه وعلى صديقه أسامة الحسيني حفيد الحاج أمين الحسيني، فتضطرب حالاً لشبه بينه وبين صديقٍ غالٍ على قلبها كان توفي غرقاً وهي في الرابعة عشرة. ومع أن ألبير انتقد بشدة رفيقها ومشاريعه العنصرية، إلا أنها لن تتردد في تأمّله طويلاً وإظهار إعجابها به. وفي الليلة التالية، يزورها ألبير في منزلها بناء على دعوتها فتتطوّر العلاقة مباشرة إلى قصة غرام سرية تدوم سنين عدة. وعلى رغم تشدّد غولدا مائير بعد مجزرة الخليل واختلاف العشيقين جذرياً على المستوى السياسي، إلا أن ذلك لن يمنعهما من المضي في علاقتهما الليلية حتى القطيعة عام 1933. ويشير نصيب إلى أن حب ألبير لامرأة يهودية لم يكن أمراً استثنائياً آنذاك. فمدينة حيفا كانت تعج بقصص الحب بين عرب ويهود. لكن وضع غولدا كان يختلف تماماً، إذ كانت صهيونيتها بمثابة كهنوتٍ لها. ولو اكتُشِف أمر عشيقها اللبناني - الفلسطيني لأنكسف نجمها فوراً وانهار مبدأ إلتزامها. ولهذا كانت غولدا هي التي تحدّد المواعيد له. وقد انحصرت اللقاءات بينهما في منزلها في حيفا. المثير في هذه القصة أنها لم تكن مجرّد علاقة جنسية. فصحيح أن غولدا كانت تحب الرجال وعرفت عُشاقاً يهوداً كثيرين، لكن عواطفها تجاه ألبير كانت صادقة وعميقة تشهد عليها زيارتان قامت بهما إلى منزله بعد افتراقهما بفترة طويلة: الأولى عام 1937، لتبلغه بأن الوضع في حيفا أصبح خطيراً وبأن مجموعات يهودية تتحضّر لطرد العرب من المدينة بعد قبول البريطانيين بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة فلسطينية، والزيارة الثانية عام 1948، لتطلب منه البقاء في حيفا بعد سقوط المدينة في يد اليهود.