تعاني الهوية القومية اليوم مأزقاً تاريخياً على المستويين الداخلي والخارجي. وخصوصاً انه بات لا يمكننا الفصل راهناً بين معاركنا الداخلية ومعاركنا الخارجية حيث الداخل في كثير من الاحوال يصبح خارجاً، والعكس صحيح. والعلاقة بينهما سببية ومتفاعلة ومتصلة. فالهوية اليوم عرضة للتفتت والتشظي من الداخل، وللهيمنة والسيطرة من الخارج. ولكن كيف تتبلور صورة الهوية من الداخل؟ تتبلور صورة الهوية في تفاعل العلاقات بين الذات والآخرين في ثلاثة اشكال: 1- الصورة التي تكونها الشخصية عن ذاتها الوعي. 2- الصورة التي يكونها الآخرون عن الشخصية. الأنموذج - المرجع. 3- الصورة التي تعتقد الشخصية ان الآخرين كونوها عن ذاتها اللاوعي المتوقع. ويبقى تفاعل هذه الصورة والمستويات في ما بينها في شكل فاعل ما يمنح الهوية الحضور والتجذر والفاعلية. وهذا الامر تحديداً يحتاج الى مسار وتجربة وعمق زمني تاريخي. لأن الهوية الحضارية هي حصيلة تفاعل الانسان - المجتمع مع الارض عبر الزمن. ولا يتم ذلك من دون الحرية وصراع الحرية بحسب سعادة. ولكن ماذا يحدث اليوم مع الخارج، مع الآخر؟ وهل نحن في مواجهة تاريخية متكافئة؟ لا يمكن الحديث اليوم عن العالم من دون استخدام كلمة العولمة وهي ببساطة "مصطلح رأسمالي لواقع رأسمالي" بحسب بابلو أو لعله أبهى تجليات الامبريالية والاستعمار. ولكن نتائج المسألة انها تضعنا أمام تذويب هويتنا، ويتمثل ذلك في: 1- تحويل العالم الى سوق واسعة تهيمن عليها شركات عابرة للقارات تسعى لأجل اتساع الاستهلاك ونمذجة التقاليد وأنماط الحياة والغاء الخصوصية والاختلاف. 2- خضوع القيم الاجتماعية والتربوية الى منافسة تحددها التكنولوجيا والاستراتيجيات التجارية. 3- تشظي الكيانات السياسية وبروز نزعات محلية وجهوية واقليمية. والسؤال هو الى أي حد يمكننا استخدام سلاح الهوية لمقاومة المشروع - الملتبس والجامح نحو الهيمنة؟ والواضح ان ثمة اخضاعاً للسياسة من الاقتصاد مثلما اخضعت الاخلاق للسياسة. وهذا يعني أفولاً للوجه الانساني والعقل الاخلاقي في العالم. وفي ذلك عدمية للانسان وموته. نحن اذاً امام مهمة حضارية على مستوى وجودنا وواقعنا وعلى مستوى العالم. ألا نخاف في مواجهة معارك الداخل ومن دون ان تهتز ثقتنا مع الاعتراف بأن أزمة الهوية لا تظهر في الواقع الا في المجتمعات التي تدخل في دينامية الحداثة. وان هويتنا الحضارية لا تكون نتيجة سلب او فقدان او تضخيم لعامل بل حضور وتراكم انساني عالمي وتعزيز للروح النقدية وللعقل الاخلاقي وروح الوعي التاريخي المعاصر. واخيراً، ليست الهوية الصفة او الجذر او طوق النجاة. بل هي الحياة والعيش والعلاقة والموقف والممارسة والمعنى. وهي اضاءات مستمرة لأسئلة المجتمع الحقيقية، اسئلة السياسة والتاريخ، وعملية لا تنتهي لاجل بناء المجال السياسي ومقاربة التصورات الاكثر عقلانية وتاريخية والوعي / اجتماعية، وبلوغها. * كاتب لبناني.