يقدّر عدد العاطلين عن العمل في العالم بنحو 187 مليون نسمة أي ما يوازي 5،6 في المئة من اجمالي قوة العمل، بينما بلغ عدد العاطلين عن العمل من الشباب الذين يراوح عمرهم بين 14 و 26 نحو 88 مليون شاب. تتميّز البحرين كغيرها من دول الخليج بمجتمعها الفتي إذ يشكّل الشباب أكثر من 55 في المئة من الهرم السكّاني. وعلى رغم ايجابية هذا الرقم، وفي الوقت الذي تدقّ الدول الاوروبية ناقوس الخطر بسبب ارتفاع نسبة البطالة الى أكثر من عشرة في المئة، تجاوزت هذه النسبة ال 15 في المئة في البحرين، وفق تقرير منظمة العمل الدولية للعام 2003 وهي النسبة الاعلى عالمياً. وفي دراسة قامت بها مؤسسة "ماكينزي" للاستشارات العالمية، أكدت حاجة الاقتصاد البحريني لتوفير 100 ألف وظيفة حتى العام 2013 أي بمعدّل 10 آلاف وظيفة في السنة. وتوقعت الدراسة ارتفاع عدد العاطلين عن العمل الى 60 ألف فرد في عام 2013، بينما تكمن المفارقة في وجود 261 ألف عامل اجنبي في مملكة لا يتجاوز عدد رعاياها 621 ألف نسمة أي ما يعادل نصف سكان الجزيرة. من يزور المنامة، لا يخفى عليه هذا الامر. "الاجانب" في كل مكان، يعملون حراساً، يبيعون الصحف والخضار، يغسلون السيارات، يقصدون الشركات والمنازل على السواء لعرض خدماتهم وتسويقها... ويبقى المشهد ناقصاً: غياب لافت للشباب البحريني العامل... غياب يتلاشى عند الدخول الى منطقة السنابس، وهي ضاحية فقيرة نسبياً، طرقاتها ضيقة، بعضها يفتقد الزفت فيما بيوتها متلاصقة الى حدّ تنعدم فيه مساحات الهواء، وبالطبع كل نوع من انواع الخصوصية. أما رائحة الطهو فتسرح من منزل الى آخر من دون قرع باب او استئذان. غالبية سكان هذه المنطقة بحرينيون والعديد منهم عاطل عن العمل. عباس خ 35 عاماً يبيع السمك على قارعة الطريق، صبّ جام غضبه عندما علم أن البطالة هي موضوع التحقيق: "لقد بدأوا الحديث عن البطالة منذ عام 1950 والنتيجة الاجانب اجتاحونا". لا يجني عباس أكثر من ثلاثة دنانير أي نحو ثمانية دولارات أميركية في اليوم. لكنه اقر بأنه يبيع بعض انواع المخدرات وذلك ب"علم أولياء الأمور". حسين ح. في ربيعه الثاني يدرس المالية العامة ويعمل في احد المقاهي، أكّد أن المسألة لا تتعدّى كونها اهمالاً مزمناً، لا سيما ان عدد العمال الاجانب المسجلين بلغ 90 ألفاً وهم يشكلون ما يعرف بظاهرة "العمالة السائبة" او الفري فيزا Free Visa. أما ساتيش ك. 41 عاماً من التابعية الهندية، فيعمل في احدى شركات المعلوماتية وتساءل عن السبب الذي يدفع رب العمل الى تكبّد مصاريف استقدام عامل أجنبي مثله، في الوقت الذي قد يحصل على عمل اقل كلفة لولا عدم التزام البحريني بدوام العمل وامضاء وقته بالتحدث على الهاتف والحصيلة تكون تدني الانتاجية وفقدان الاتصال بالعملاء فضلاً عن رفض البحريني العمل بالراتب الذي يتقاضاه العامل الاجنبي. يخالف علي م. 40 عاما هذا الرأي بحدّة، مؤكداً استعداد العديد من البحرينيين للعمل بالراتب نفسه الذي يتقاضاه الاجنبي، معدّداً حالات لا يتقاضى فيها البحريني أكثر من 90 ديناراً شهرياً 240 دولاراً اميركياً كعمال محطات البنزين. ويتساءل عن ضرورة العمال الاجانب الذين يشكلون 70 في المئة من اليد العاملة في بعض القطاعات في حين تكتظ المقاهي بالشبان الذين لا عمل لهم سوى "تنفيس دخان النرجيلة" وانتظار الغيب. يجمع العديد من الخبراء الاقتصاديين على أن الفقر والبطالة هما من الاسباب الرئيسة للانحراف لدى الشباب، في ظل تزايد التقارير الامنية التي تتحدث عن ارتفاع في استهلاك المخدرات، لا سيما في اوساط الشباب، وسجّلت الاحصائيات ارتفاع مماثل لجرائم السطو المسلّح، فتمّ "سلب ثلاثة مصارف بقوة السلاح هذا العام" وازدادت حوادث الانتحار تسع حالات معترف بها بين عامي 2003 و2004. اما عن "التهم الجزائية"، فبعد أن انخفضت في العام 1992 2965 حالة عادت لترتفع في العام 2002 5792 حالة. ويعتقد البعض أن المسألة أشد تعقيداً من أن تختزل تحت هذا العنوان، ولا شك في ان عدد العمال الاجانب مرتفع، وبالتالي يحرم البحرينيين من فرص عمل هم اولى بها. لكن وفي الوقت عينه، هناك ارتفاع كلفة العمالة الوطنية، وضعف في الاستثمارات الاجنبية والمحلية مما يقلّص المجال امام توافر فرص عمل جديدة اذ ان غالبية القروض في البحرين هي قروض استهلاكية غير منتجة كقروض شراء السيارات، فضلاً عن نقص الخبرة عند البحرينيين وغياب التخصصات المهنية. مهما يكن من امر، يقف البحرينيون عند مفترق الطريق فإما أن يبدلوا نظرتهم التقليدية لبعض الامور ويخرجوا انفسهم من عنق الزجاجة، وإما أن يغرقوا في مستنقعات البطالة والانحراف في ظل ازدياد مطرد للنمو السكاني في الجزيرة 18 في المئة الاعلى من بين دول الخليج. المسألة اصبحت ملحة ولا تحتمل بالطبع خمسين سنة اخرى، يحار فيها المرء من يقلّد وسام اليوبيل الذهبي!