أقر في السنوات الأخيرة عدد من القوانين البيئية في العالم العربي. لكن إصدار قوانين وطنية لحماية البيئة أو التصديق على الاتفاقيات البيئية الدولية والإقليمية لا يكفي. فالمهم تطبيق هذه القوانين والتزام بنود الاتفاقيات. الموضوع الآتي يستعرض الخاص قوانين بيئية في بعض البلدان العربية والمعوقات التي تحول دون تطبيقها والتدابير اللازمة لتفعيلها. تضمنت غالبية القوانين البيئية السارية في الدول العربية، وفي دول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص، بنداً يحض على نشر التوعية البيئية في المجتمع، باعتبارها الخطوة الأولى في تفعيل القوانين البيئية على المستوى الوطني. لذلك كان من الضروري أن تتضمن القوانين البيئية الأحكام التي تجعل من المهمات الأساسية للإدارات البيئية في الدولة وضع البرامج والخطط للتثقيف والتعليم البيئي، مما يجعلها التزاماً قانونياً على الدولة يتطلب اتخاذ التدابير المناسبة للوفاء به. هذا الاتجاه نجده بصورة خاصة في التشريعات البيئية الحديثة. مثال ذلك، قانون حماية البيئة في السودان لعام 2000، عندما نصت الفقرة ط من المادة الثانية على "وضع خطة اتحادية لترقية الوعي البيئي والاستخدام المستدام للموارد الطبيعية وصيانتها والعمل على تضمين ذلك في المناهج الدراسية بالتعاون مع الجهات المختصة". وأكدت المادة التاسعة عشرة من القانون السوداني، عند تناولها واجبات السلطة المختصة في مراعاة السياسات البيئية، على "نشر الوعي البيئي والثقافة البيئية بين المواطنين وتنشيط دور الإعلام في مجال حماية البيئة". الفقرة "ز" من المادة السابقة. وبيَّن المشرع المصري أن دور المواطن في مراقبة تطبيق القواعد والأنظمة والمعايير البيئية يتطلب أن يكون على قدر عال من الوعي البيئي. لذلك ألزمت الفقرة 3 من المادة الخامسة من قانون حماية البيئة 1994 جهاز شؤون البيئة "وضع برامج التثقيف البيئي للمواطنين والمعاونة في تنفيذها". وهذه البرامج من شأنها المساهمة في خلق وعي بيئي لدى المواطن مما يمكنه من القيام بمهمة المراقبة على أكمل وجه. وبموجب المادة 103 من القانون يحق لكل مواطن أو جمعية معنية بحماية البيئة التبليغ عن أي مخالفة لأحكام القانون. واجب التبليغ من قبل الأفراد عن أية مخالفة بيئية، أخذت بها المادة الرابعة من قانون حماية البيئة رقم 444 في لبنان لعام 2002، في الفقرة و من المادة السابقة في إطار ما يعرف بمبدأ المشاركة والتعاون في حماية البيئة والمحافظة عليها على جميع المستويات. وبموجب الفقرة الفرعية 2 من الفقرة و من المادة الرابعة، "يسهر كل شخص طبيعي أو معنوي، عام أو خاص، على سلامة البيئة، ويساهم في حمايتها ويبلغ عن أي خطر قد يهددها". وبينت الفقرتان 3 و4 من المادة الثامنة عشرة من القانون أن نظام مشاركة المواطنين في إدارة البيئة وحمايتها يتحقق من خلال تطوير التربية البيئية في النظام التربوي، وحملات توعية ومعلومات للمواطنين حول المسائل البيئية. في حين اعتبرت الفقرة 8 من المادة السابقة أن مسؤولية إخطار وزارة البيئة عن كل ضرر قد يطال البيئة واجب على كل شخص. وبذلك يكون القانون اللبناني اتخذ خطوة متطورة ومهمة في مجال مسؤولية الأشخاص عن حماية البيئة في المجتمع، حيث جعل الإخطار من قبل الأشخاص واجباً قانونياً وليس فقط واجباً أخلاقياً كما هي الحال في معظم التشريعات البيئية في الدول العربية. جدير بالذكر أن قانون حماية البيئة اللبناني لم يدرج أي عقوبة بحق المواطن في حالة التقاعس عن القيام بواجبه في الإخطار عن الأضرار التي تلحق بالبيئة كما جاء في الفقرة 8 من المادة 18 من القانون، إلا إذا كان المشرع اللبناني اعتبر التقاعس عن الإخطار من قبيل المخالفات التي تشملها العقوبة المنصوص عليها في المادة 63 من القانون والتي قررت ما يلي: "كل مخالفة أخرى لأحكام هذا القانون ولنصوصه، يعاقب عليها بالغرامة من خمسمائة ألف إلى خمسة ملايين ليرة لبنانية"، على أن تضاعف الغرامة في حالة العَوْد. من ناحية أخرى، أكدت التشريعات البيئية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ السبعينات على أهمية التثقيف البيئي والتوعية البيئية للمواطن لإنجاح السياسات والقوانين البيئية في الدولة. لذلك طالبت قوانينها بضرورة إدخال التوعية والتعليم البيئي ضمن البرامج التعليمية في المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية في الدولة، وفي الإعلام، وأوكلت تلك المهمة إلى لجان أو مجالس أو هيئات البيئة، وحملتها مسؤولية تنفيذ هذا العمل باعتباره من الأدوات الضرورية لتفعيل القانون البيئي بصورة خاصة. فعلى سبيل المثال، نصت الفقرة 8 من المادة الخامسة من القانون القطري رقم 4 لسنة 1981 بإنشاء اللجنة الدائمة لحماية البيئة المعدل لعام 1994، على اختصاص اللجنة الدائمة لحماية البيئة "العمل على إدخال التثقيف البيئي في البرامج التعليمية والإعلامية ووضع خطط التوعية للمواطنين وحضهم فرادى وجماعات على المساهمة في حماية البيئة". وبعد إصدار القانون رقم 30 لسنة 2002 بإصدار قانون حماية البيئة، وهو القانون الأحدث في منطقة الخليج، جعلت من الأهداف الرئيسة للقانون ترسيخ الوعي البيئي في الدولة باعتبارها من عناصر تحقيق التنمية المستدامة، وألزمت المادة السابعة من القانون "جميع الجهات المسؤولة عن التعليم إدخال مواد التوعية البيئية في المناهج الدراسية في جميع مراحل التعليم، والتأكد من أن المناهج المحتوية على هذه المواد تولي اهتماماً كافياً بها، مع العمل على إنشاء وتطوير المعاهد المتخصصة في علوم البيئة لتخريج الموارد الفنية". تشديد العقوبات تبنّى المشرع العربي في معظم القوانين البيئية الصادرة في فترة التسعينات قاعدة التشديد في العقوبات بحق مرتكبي الجرائم البيئية، استناداً الى أن حماية البيئة والموارد الطبيعية من المواضيع الجديدة في الوطن العربي مما يتطلب أن يعطى للقانون البيئي دور هام في توفير الحماية القانونية للبيئة. لذلك ركزت غالبية التعديلات في القوانين البيئية على مضاعفة قيمة الغرامة المالية فقط. وفي فترة لاحقة، ومع تطور الاتجاهات الدولية في ربط البيئة بالتنمية المستدامة، كان من الضروري أن تتضمن التشريعات البيئية جزاءات من شأنها إعادة تأهيل البيئة أو الحد من تدهورها من خلال اتخاذ التدابير المناسبة للتحكم في مصادر التلوث. لذلك ظهرت الاتجاهات التي تطالب بإعطاء المحكمة الحق في أن تقضي، بالإضافة إلى الغرامة المادية، بغلق الأماكن التي يكون العمل فيها مصدراً للتلوث لفترة زمنية محددة، وفي حال تكرار المخالفة جواز الحكم بإلغاء الترخيص. بل ان بعض القوانين البيئية العربية، مثال ذلك القانون البحريني، أجازت للمحكمة أن تحكم بإلزام المخالف بجميع النفقات الناجمة عن معالجة الأضرار البيئية، والحكم بالتعويضات التي قد تترتب عن تلك الأضرار، أو إلزام المخالف بإزالة المخالفة وإعادة الحال إلى ما كانت عليه 73 من قانون حماية البيئة القطري. ونصت الفقرة 15 من المادة الرابعة من القانون الاتحادي رقم 7 لسنة 1993 في دولة الامارات العربية المتحدة بإنشاء الهيئة الاتحادية للبيئة، على التزام الهيئة "العمل على تنمية الاهتمام بالنواحي التربوية والإعلامية والاجتماعية والثقافية لزيادة وتطوير الوعي البيئي وذلك لتمكين المجتمع من المساهمة الفعالة لتحقيق الأهداف المرجوة للحفاظ على البيئة وتطويرها". وجدير بالذكر أن المرسوم السلطاني بإصدار قانون حماية البيئة ومكافحة التلوث في سلطنة عمان لعام 1985، المعدل عام 1989، يعد من التشريعات البيئية الأكثر تطوراً في مجال مساهمة القانون البيئي في حماية البيئة بشكل إيجابي. لذلك خولت المادة الخامسة من المرسوم مجلس حماية البيئة ومكافحة التلوث، الذي أنشئ بموجب قانون عام 1979، "اتخاذ كافة الإجراءات التي تضمن سلامة البيئة العمانية وتحسين وتنمية مواردها الطبيعية من أجل الأجيال الحاضرة والمستقبلية من النواحي الصحية والاجتماعية والاقتصادية، ومن أجل حماية أنواع الحياة البرية والبحرية التي تتميز بها السلطنة وخاصة المهددة منها بالانقراض". وبموجب المادة 33 من القانون، "يتمتع جميع خبراء ومراقبي البيئة بسلطة التفتيش والضبط التي تؤمن لهم مراقبة جميع المصادر ومناطق العمل والمحميات أو السجلات التي تدون فيها هذه الجهات بيانات التصريف والرصد البيئي وغيرها من البيانات التي يحتاجها تنفيذ قانون البيئة أو الأنظمة الصادرة بموجبه..." في حين نصت المادة 39 من المرسوم على ما يلي: "يعاقب كل من يثبت أنه تسبب في أي تلوث للبيئة نتيجة لعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة بغرامة تساوي ثلاثة أضعاف تكاليف تلك الإجراءات، أو ثلاثة أضعاف قيمة الضرر الناتج عن هذه المخالفة أيهما أكبر". ويتميز القانون الاماراتي بأنه يفرض عقوبة الاعدام في حالات معينة، ومثال على ذلك ما جاء في الفقرة 2 من المادة 62 من القانون الاتحادي رقم 24 لسنة 1999 في شأن حماية البيئة وتنميتها التي نصت على تطبيق، عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن مليون درهم ولا تزيد على عشرة ملايين درهم، لكل من قام باستيراد أو جلب المواد أو النفايات النووية أو دفنها أو إغراقها أو تخزينها أو التخلص منها بأي شكل في بيئة الدولة. حماية الموروث البيئي لا يخفى على أحد أن الهدف الأساسي من إصدار التشريعات البيئية والتصديق على الاتفاقيات البيئية الدولية والإقليمية ووضع الخطط الخاصة بالتنمية المستدامة هو تطوير التجانس بين الاقتصاد والبيئة والعوامل الاجتماعية. هذا المفهوم الحديث للتشريعات البيئية نجده في التشريعات الوطنية. مثال ذلك المادة الثانية من القانون البيئي الاتحادي في الامارات عندما نصت على ما يلي: "يهدف هذا القانون إلى تحقيق الأغراض التالية: تنمية الموارد الطبيعية والحفاظ على التنوع الحيوي في إقليم الدولة واستغلاله الاستغلال الأمثل لمصلحة الأجيال الحاضرة والقادمة". وتماثلها المادة الثانية من قانون حماية البيئة في قطر عند تناولها موضوع البيئة والتنمية المستدامة، والتي تنص على "تنمية الموارد الطبيعية والحفاظ على التنوع الحيوي واستغلاله الاستغلال الأمثل لمصلحة الأجيال الحاضرة والمستقبلة". في حين ألزمت المادة الخامسة من قانون البيئة القطري جميع الجهات الإدارية العمل على "ترشيد استخدام الموارد الطبيعية الحية وغير الحية للمحافظة على ما هو متجدد منها وإنمائه وإطالة أمد الموارد غير المتجددة لمصلحة الجيل الحالي والأجيال المقبلة". وحرصاً على تحقيق هذا الهدف، نصت المادة 73 من قانون البيئة القطري 2002 على ادراج عقوبة إزالة المخالفة وإعادة الحال إلى ما كانت عليه في قانون البيئة الجديد، هذا الحرص على حقوق الأجيال المقبلة نجده أيضاً في المادة 72 من القانون الاتحادي الإماراتي، التي نصت على التعويض عن الضرر البيئي الناتج عن مخالفة الأحكام الواردة في القانون. في ضوء الشرح الموجز السابق لأحكام بعض القوانين البيئية العربية هل يكفي إصدار قانون لحماية البيئة أو التصديق على الاتفاقيات البيئية الدولية والإقليمية أو الانضمام إليها لحماية البيئة والمحافظة عليها؟ للوهلة الأولى يمكن أن تكون الإجابة بنعم، لأن مجرد التفكير في إصدار قانون لحماية البيئة في دولة عربية يدل على مدى حرص المسؤولين في تلك الدولة على توفير الحماية القانونية لحق المواطن في العيش في بيئة سليمة خالية من التلوث. إلا أن المهم في هذا المقام تحديد مدى فعالية هذا القانون في الحد من تلوث البيئة والمحافظة على الثروات الطبيعية وتنميتها. قبل كل شيء، ان تفعيل القانون البيئي في أي دولة يستلزم إزالة العقبات والمعوقات التي تحول دون تطبيقه عملياً على المستويين الوطني والدولي. وعليه لا بد من تحديد أهم المعوقات التي تحول دون تطبيق القوانين البيئية في الدول العربية ودول الخليج العربية بصفة خاصة. بداية، الوضع البيئي في هذه الدول لا يختلف عما هي الحال عليه في الدول النامية بشكل عام، مما يجعل الهوة شاسعة بين الجانب النظري للقانون البيئي والحماية الفعلية للبيئة. المعوقات القانونية أصدرت معظم دول الخليج العربي قوانين شاملة لحماية البيئة في منتصف التسعينات. إلا أن الجهات المختصة في تطبيق القانون لا تزال تعاني من التخبط في تفعيله بسبب النقص في الكوادر الوطنية المؤهلة، وعدم وجود محاكم بيئية وقضاة بيئيين ممن لديهم دراية كافية بالطبيعة الخاصة للقوانين البيئية، والنقص في الجهاز المعاون لهيئة المحكمة من الفنيين والخبراء البيئيين، بالإضافة إلى أن الجهات الرسمية المختصة بتطبيق الاتفاقيات البيئية الدولية والإقليمية لا تعتبرها ملزمة لها كما هو شأن التشريع الوطني، مما يؤدي إلى عدم الاستفادة منها لحماية البيئة على المستوى الوطني. وفي كثير من الأحيان، يتضمن التشريع الوطني أحكاماً تخالف صراحة أو تتعارض مع الأحكام المنصوص عليها في الاتفاقيات البيئية الدولية، وعلى الأخص ما يتعلق بالجزاءات أو التدابير الاحترازية الواجب تطبيقها في حالة تلوث البيئة البحرية أو تدميرها. ومما يؤدي إلى اتساع الفجوة بين الجانب النظري والجانب العملي ضآلة الغرامات المالية المفروضة على ناقلات النفط العملاقة في حالات تلوث البيئة البحرية للمناطق الخاضعة لسيادة دول مجلس التعاون الخليجي، ما عدا قانون حماية البيئة البحرية في سلطنة عمان 1974 والقانون الاتحادي في الامارات 1999 وقانون حماية البيئة في قطر 2002. من ناحية أخرى، تتردد غالبية القضاة المعنيين في تطبيق الجزاءات المنصوص عليها في الاتفاقيات البيئية الدولية رغم أنها أكثر فاعلية لحماية البيئة وواجبة التطبيق بعد التصديق عليها، عملاً بقاعدة أن القاضي يستمد صلاحياته من القانون الوطني فقط. المعوقات الإدارية من أهم المعوقات الإدارية التي تحول دون فعالية التشريعات البيئية تعدد وتنوع القرارات الإدارية الصادرة عن الجهات العاملة في مجال حماية البيئة والمحافظة على الثروات الطبيعية في دول مجلس التعاون الخليجي بخاصة، والتي أصبحت من المعوقات التي تعوق تنفيذ القوانين البيئية في هذه الدول. وينطبق ذلك أيضاً على الاتفاقيات الدولية البيئية المصدق عليها، نتيجة اختلاف توجهاتها وتداخل الاختصاصات بين مجالس أو هيئات البيئة أو السلطات المختصة في تلك الدول والتي خولها قانون حماية البيئة تنفيذ وتطبيق الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بحماية البيئة. يستدل على ذلك من التجربة الكويتية، إذ تتولى عدة جهات في الدولة حماية البيئة والموارد الطبيعية والمعدنية، ولها الصلاحيات في إصدار القرارات الإدارية واللوائح المتعلقة بالبيئة، حتى وان كانت تتشابه أو تتعارض مع القرارات الصادرة من أجهزة الدولة الأخرى. فعلى سبيل المثال، تتولى وزارة المواصلات والنقل تنفيذ كل ما يتعلق بالمخالفات الخاصة بتلوث البيئة البحرية وفقاً لقانون منع تلوث المياه الصالحة بالزيت لعام 1964. وتتولى بلدية الكويت وفقاً لقانون بلدية الكويت لعام 1977 تنفيذ اللوائح المتعلقة بالنظافة والمحافظة على الحدائق العامة وقانون البناء. وتقوم الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية بتنفيذ القرارات الخاصة بالمحافظة على الثروات الطبيعية، في حين تتولى وزارة النفط تنفيذ قانون حماية الثروة النفطية لسنة 1973. وزاد من تفاقم عدم فعالية التشريعات البيئية عجز القوانين الخاصة بإنشاء مجالس أو هيئات للبيئة، أو القانون العام لحماية البيئة في دول مجلس التعاون الخليجي، عن القضاء على أو الحد من التشابك في الاختصاص البيئي بين الإدارات البيئية في الدولة. والخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح تكمن في اتخاذ التدابير اللازمة لفك الاشتباك القائم حالياً في الاختصاصات التنفيذية، لتفعيل القانون البيئي وإلغاء المواد التي تقنن التداخل في الاختصاص البيئي. المعوقات السياسية والاقتصادية لم تستطع دول مجلس التعاون الخليجي تطبيق الاتفاقيات الإقليمية والبروتوكولات التي أبرمت لحماية البيئة البحرية في منطقة الخليج بسبب الحرب العراقية - الإيرانية التي استمرت أكثر من ثماني سنوات. وحتى بعد الدمار الذي لحق بالبيئة البحرية والبرية في معظم دول المجلس، لا تزال الأولوية للخطط والمشاريع التنموية ولو على حساب البيئة ومواردها. لقد ساهمت المعوقات السياسية والاقتصادية في دول المجلس إلى حد ما في عدم الأخذ بالمواصفات والنظم البيئية الدولية. وتعاني معظم التشريعات البيئية من القصور في هذا الجانب، وتهتم بالجانب التنظيمي للإدارات البيئية لأنها حديثة العهد وتخضع للاعتبارات السياسية، مما يؤدي إلى تغيير هياكلها واختصاصها من وقت إلى آخر وتغيير تبعيتها للجهات الرسمية في الدولة. نقص الكوادر البشرية من المعوقات الأساسية التي تحول دون تطبيق القوانين البيئية والاتفاقيات البيئية الدولية والإقليمية بشكل فاعل في دول مجلس التعاون الخليجي وفي الدول العربية عموماً النقص البيّن في الكوادر الوطنية المتدربة في مجال تطبيق القانون البيئي على المستوى الوطني، رغم أن معظم تشريعات البيئة تضع مسألة تنمية الكوادر البشرية الوطنية من الأهداف الأساسية التي تسعى إليها هذه الدول. ورغم ذلك نرى ان الفجوة لا تزال واسعة بين الجانب النظري والجانب العملي، مما يحول دون تطبيق القوانين والأنظمة البيئية القائمة رغم أهميتها في هذه المرحلة من التطور السريع في الخطط التنموية، للحد من آثارها السلبية على البيئة والإنسان على المدى الطويل ومن أجل الوصول إلى التنمية المستدامة للحفاظ على الموارد الطبيعية حفاظاً على حق الأجيال القادمة في بيئة سليمة. ما العمل؟ يثور التساؤل في هذا الصدد عما يجب عمله لتفعيل تطبيق القوانين البيئية والاتفاقيات الدولية البيئية المصدق عليها على المستوى الوطني. بداية، يجب تغيير الأساليب التقليدية في مواجهة المشاكل والكوارث البيئية، ووضع استراتيجية بيئية طويلة المدى للحفاظ على الثروات الوطنية وحمايتها من التلوث. كما ينبغي التنسيق بين الجهات المعنية في تطبيق القوانين والاتفاقيات الدولية البيئية للحد من الازدواجية في العمل والتداخل في الاختصاص بين الإدارات البيئية. ولا بد في بعض الحالات من تعديل التشريعات البيئية في دول مجلس التعاون الخليجي لكي تصبح للإدارات البيئية صلاحيات واسعة في اتخاذ القرارات المتعلقة بحماية البيئة، دون تدخل الأجهزة الحكومية بشكل يجعل من هذه المجالس مجرد لجان استشارية للهيئات الحكومية لا تملك سلطات حقيقية في زمن السلم وفي وقت الأزمات والكوارث البيئية. كما أن من الضروري تدريب الكوادر الوطنية المؤهلة في مجال تطبيق القوانين البيئية، من خلال برامج تدريبية مكثفة لتنفيذ الالتزامات القانونية المنصوص عليها في التشريعات الوطنية. وينبغي مراجعة التشريعات واللوائح البيئية السارية، في الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي، بصفة دورية لمواكبة التطورات المستجدة على المستويين الوطني والدولي. العمل ضروري أيضاً لوضع البرامج الخاصة لتدريب الكوادر البشرية الوطنية المؤهلة للتعامل مع الكوارث البيئية وكيفية تطبيق التشريعات والأنظمة ذات العلاقة بحماية البيئة والمحافظة على الثروات الطبيعية. ولا بد أيضاً من إشراك المرأة العربية في حماية البيئة من خلال برامج خاصة للتوعية البيئية التي تتناول المحافظة على البيئة في المنزل، وفي تعاملها مع الموارد الطبيعية الحيوية مثل المياه ومصادر الطاقة، والتي لم تحظَ بالاهتمام الكافي من المشرع العربي والسياسات البيئية في الدول العربية. وليس آخراً، يجب إنشاء مراكز علمية غير حكومية نظام المشاركة في إدارة البيئة على غرار ما تنص عليه المادة الثامنة من قانون حماية البيئة في لبنان 2002، من خلال وضع آليات استشارية على المستويين الوطني والمحلي تضم مواطنين وجمعيات من المعنيين بشؤون البيئة. وتتولى هذه المراكز تقييم البرامج والمشاريع التنموية ذات الأبعاد البيئية الضارة بالإنسان، وعرض نتائج المردود البيئي على الجهات الرسمية في الدولة، بدلاً من ترك تلك المهمة كلياً للهيئات واللجان الحكومية.