النزعة القومية التركية المتعصبة نجحت في أن تحافظ على نفسها من خلال التمسك بسياسة التطهير والتتريك التي ترى في القوميات الأخرى الموجودة على أراضيها من عرب وأكراد وأرمن ويونان عبارة عن خدم للوطن التركي. وهي تحاول منذ أربعين عاماً الانخراط في الاتحاد الأوروبي. وهي تجيء في مقدم الدول من حيث توقيع اتفاقية انتساب الى السوق الأوروبية المشتركة نواة الاتحاد الأوروبي، في 1963، حتى ان بريطانيا يومها لم تكن انضمت الى السوق الأوروبية، ولم يحدث ذلك سوى في 1971. وتوصل الاتحاد الأوروبي في الأثناء الى الاتفاق على دستور جديد اعتبر انجازاً تاريخياً وتضمن بنوداً صريحة، تعتبر شروط عضوية لأية دولة تسعى للانضمام الى الاتحاد ملزمة. وتتجسد في الديموقراطية، وحقوق الإنسان، والحريات العامة، والاقتصاد، والإصلاحات الاقتصادية، واحترام الأقليات وحماية حقوقها. وتركيا تعيش تخبطات فادحة تشكل عقبة في سبيل الأورَبَة الكاملة، ومن هذه التخبطات تمسكها العقائدي والطوراني بفرمانات ومبادئ كمال أتاتورك، ورهن الإرادة السياسية فيها للباشاوات وجنرالات الجيش الذين يحتكرون تفسير تلك الفرمانات. وعلى الحكومة التركية أن تدرك أنها دولة قائمة على تعدد قومي، وأن أصول سكان الامبراطورية العثمانية كثيرة. كذلك على تركيا أن تدرك ان ملف حقوق الإنسان فيها لا يزال حافلاً بالتناقضات والسواد، وأن محاولتها لجعله أبيض ورضوخها لضغوط الاتحاد الأوروبي، وتحسين ملفات حقوق الإنسان، وملف تعاملها مع القضية الكردية، وذلك عبر الافراج عن أربعة من السياسيين الكورد ليلى زانا منهم، بعد رفع الحصانة البرلمانية عنهم لأسباب سياسية وسجنهم 10 سنوات، ثم عودتها الى محاولة محاكمتهم وسجنهم مرة أخرى بحجة قيامهم بتشكيل تجمعات، والقاء خطب سياسية أمام الناس، واستمرارها في سجن زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان في جزيرة ايمرالي شمال غرب وما زالت السجون التركية تحوي الآلاف من السجناء السياسيين، هذه الأمور لا تطمئن. وعلى رغم ان الكرة كانت في ملعب الحكومة التركية، وجنرالات الجيش التركي، بعد اعلان حزب العمال الكردستاني مؤتمر الشعب الكردي عام 1998، بعد اعتقال زعيمه أوجلان، وقف العمليات العسكرية من جانب واحد. ودام هذا الموقف ست سنوات. وتحول النشاط المسلح الى نشاط سياسي في سبيل الحقوق الثقافية للشعب الكردي في كردستان تركيا. إلا أن تركيا ردت على هذه المبادرة السلمية بمحاولة ملاحقة أعضاء الحزب في شرق الأناضول، وحتى في شمال العراق، حيث شقيق أوجلان عثمان مع خمسة آلاف من القوات، وكانت الحكومة التركية طلبت من واشنطن تصفية هذه القواعد. وعادت الاشتباكات بين قوات "الكريلا" والجيش التركي. تحاول تركيا أن تُظهر صورتها العلمانية للعالم والأوروبيين. وظهر ذلك جلياً بعد تسلّم حزب العدالة والتنمية الحكومة. وصرح زعيمه، رجب طيب أردوغان، بتمسك حزبه بمبدأ العلمانية. وحاول الحزب تحسين صورة تركيا أمام الأوروبيين وذلك من خلال اصلاحات داخل البيت التركي، واظهار رغبة تركيا في القبول بمبادئ كوبنهاغن. وعدلت دستورها، وألغت السلطات التنفيذية واللاديموقراطية التي كان يتمتع بها مجلس الأمن الوطني، أي الجيش التركي وجنرالاته. وأصبح بإمكان المدنيين ترؤسه. وألغيت محاكم أمن الدولة وعقوبة الإعدام نهائياً. وأقرت المساواة بين الرجل والمرأة، وصدر عفو عام عن الملاحقين سياسياً، شرط أن يسلموا أنفسهم للسلطات خلال مدة معينة، وسمح للأكراد بتعلم اللغة الكردية. لكن السؤال المهم هو موقف الدول الأعضاء من هذه الخطوات الإصلاحية التي تقوم بها تركيا في سبيل الانضمام الى النادي الأوروبي. ان كثيرين من مواطني الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يهاجمون بقوة قبول تركيا في الاتحاد، ومن بينهم مفكرون وسياسيون ومثقفون. فمجرد ذكر الأتراك يعيد الى الذاكرة الأوروبية الماضي العثماني الغامض، والعدد الهائل لسكان تركيا 7 مليون نسمة، فيستوجب أن تطالب في حال انضمامها للاتحاد أن يكون لها أكبر عدد من النواب في البرلمان الأوروبي. ولكن الأهم هو ألاّ تنسى تركيا أنها دولة مسلمة تصيبها الهجمة الشرسة على الإسلام بعد 11 أيلول سبتمبر. الواقع ان الموقف الأوروبي من تركيا يرتبط في شكل خاص بماضيها القديم في أوروبا، أيام الدولة العثمانية، أكثر من ربطها بالإسلام. والمؤسف في الأمر أن تركيا تسيء تقدير الموقف بالاستمرار في الانتهاكات داخل أراضيها وتصر على أحقيتها في الانضمام الى النادي الأوروبي. وعلى تركيا أن تستكمل اصلاح البيت التركي من الداخل، لتقدم أوراق اعتمادها كاملة ومرتبة الى بروكسل حيث يقوم قادة الاتحاد الأوروبي بتقويم العملية الديموقراطية في تركيا، البلد المسلم، في كانون الأول ديسمبر المقبل. ولكل خطوة سياسية ثمن باهظ، ويقف التاريخ والجغرافيا ضدها في مسعاها. وتركيا مطالبة بخلع العقلية التركية، لا الاكتفاء بخلع الطربوش. هذا هو المهر المطلوب منها. وعودة عناصر حزب العمال الكردستاني الى العمليات العسكرية لهي كابوس أسود يحطم أحلامها في دخولها الاتحاد الأوروبي. وعليها التصرف بحكمة وعقلانية، والدخول في حوار مع قادة الحزب، لا العودة الى سياسة العسكرة والبطش التي كانت تنتهجها، لأن ذلك يعني ان حلمها الأوروبي سيتحول الى غيمة سوداء لا تمطر. جهاد صالح كاتب كردي