استطاع مروان خوري خلال أربع سنوات أن يفرض نفسه كملحن وشاعر ذي نكهة خاصة. ورسم من خلال "تيا" و"والدلعونا" و"عز الحبايب" و"معقول" و"طلع فيي" و"حبيب قلبي" "وعيونو" و"يا شوق" و"ردوا حبيبي"، خطاً واضحاً يحمل التميز والتجدد والأصالة في آن. مروان خوري الذي كرم أخيراً في صفاقس ويخطط لريسيتيال ذي طابع مميز قريباً، يقيم مساء اليوم حفلة إطلاق ألبومه الثاني ىكل القصايد". "الحياة" التقت خوري وتحدثت معه عن شؤون عالم الفن وشجونه، وعن الأغنية اللبنانية التي يوليها كل اهتمامه، وقصيدة قباني التي يلحنها لماجدة الرومي وغيرها من المواضيع. كيف ينظر مروان خوري إلى نجاح "كل القصايد"؟ - استغرقت عملية انتقاء الأغاني وقتاً طويلاً. اخترت أغاني أحبها وأرى أنها تلامس إحساس الناس. وأخذت في الاعتبار فكرة المعنى التسويقي إلا أنها لم تكن النقطة الأساس. لذلك عندما أصدرت أغنية "كل القصايد" في بداية الموسم الصيفي، حينما يكون الناس منتظرين أغنية إيقاعية سهلة، كان رهاني على نجاحها أصعب. الأغنية اللبنانية والصور الريفية حاضرة كثيراً في أغانيك؟ إلى أي مدى تركز على الأغنية المحلية؟ - أحس بأن الأغنية اللبنانية مطلوبة مني أكثر، خصوصاً عندما تلاقي النجاح فتصبح مسؤوليتك تجاهها أكبر. الأغنية اللبنانية "ضاربة" ومحبوبة منذ زمن. صحيح أن موجات أخرى تأتي وتؤثر فيها، ولكنني بكل ثقة أؤكد أنها تدخل إلى القلب بسرعة كبيرة ونحن كفنانين لبنانيين مطلوب منا أن نؤكد تلك الحقيقة ونكمل ما بدأ به الرحابنة وفيلمون وهبة وزكي ناصيف: أغنية مميزة تحمل الصورة الريفية وتتمتع بنكهة خاصة. تلك الأغنية لا يحس بها المستمع المحلي فحسب وإنما كل عربي من المحيط إلى الخليج. هل هناك توصيف للأغنية اللبنانية؟ - تحديد هوية الأغنية اللبنانية أمر مستعص وهذا السؤال طرح من قبل وحاول الكثيرون تحديده باللون البلدي. أما أنا فأرى أنها أوسع من ذلك، فهي تطاول كل المحيط واللون الغربي أيضاً. أغنية مفتوحة على كل المواضيع وتتمتع بنكهة خاصة. تلعب الكلمة الدور الأساس في رسم تلك الهوية، فضلاً عن التوزيع الذي حتى ولو اتجه نحو الغربي، تبقى الجملة اللحنية الميلودي تتمتع بطابع شرقي وليس فقط لبناني. إذا أردت وضع تراتبية للملحن والشاعر والمغني؟ بين هذه الصفات من يأتي في الطليعة؟ - أتمنى أن يأتي اليوم الذي أضع فيه الصفات الثلاث في المرتبة ذاتها. أحاول أن أجمع بين الثلاث من دون أن أفقد ولا واحدة منها وهذه معادلة صعبة. قبل "كل القصايد" كان التلحين هدفي الأول والكتابة أيضاً فأنا لم ألحن إلا من كلماتي. أما اليوم فالغناء دخل أيضا في الحسبان. غير أن صفة الملحن تسبقني دائماً. كيف هي علاقتك بالمغنين الجدد؟ - لا أفرق بين الجديد والقديم. انطلقت مع الجدد والقدامى أيضاً. هاجسي الأول هو الصوت والصوت هنا ليس القوة بل الإحساس. عملت مع باسمة وجاد نخلة ورضا كما عملت مع نوال الزغبي وصابر الرباعي. قوة الاسم مهمة ولكنها لا تخدم الأغنية أحياناً. فأغنية جاد نخلة أسلوبها مختلف عن أغنية رضا، والتنويع يفيدني. من الأسماء الجديدة سأتعامل مع نانسي زعبلاوي التي سأقدم لها أكثر من أغنية. تنوع كثيراً في أغانيك؟ ما هو أسلوب مروان خوري؟ - روح الملحن تبقى الأساس واللون الذي يميزه. الموسيقى التي يستمع إليها، وثقافته، وقراءاته، وشخصيته، وتربيته هي عوامل تتحكم به وبموهبته. لذلك أنا أجهد من أجل التنويع وعدم الوقوع في التكرار الذي يؤذي الفنان. والتنويع يكون أحياناً عملية عفوية. أنا أسمع الأغنية الشرقية والغربية، الكلاسيكية والشعبية. ولأنني أسمع كل شيء ينعكس ذلك تلقائياً على أعمالي. وحينما يتدخل الملحن في التوزيع الموسيقي والآلات المستخدمة ونوعية الكورال... كل ذلك يسهم في تحديد هويته من دون أن ينتبه إليه المستمع العادي. من يعجبك من صانعي الأغنية اليوم؟ - قلائل هم الملحنون أو الشعراء أو المغنون الذين يملكون منهجية واضحة في عملهم. لذا ليست كثيرة الأسماء التي تشدني لمتابعة أعمالها. أنتظر كاظم الساهر لأن منهجيته واضحة، وأحب ملحم بركات وشعر نزار فرنسيس الذي يحمل في طياته الكثير من الصور الريفية اللافتة. وأتابع زياد الرحباني وكل ما يقدمه. كما إنني أنتظر عمرو دياب الذي، وبعيدا من كل الانتقادات التي توجه إليه، يقدم دائماً مادة موسيقية جديدة يعمل كثيراً عليها ويتدخل في أصغر تفاصيلها. فضلاً عن بعض الأصوات مثل ذكرى أو أصالة التي سيكون لي تعاون قريب معها. هناك تعاون مع ماجدة الرومي، ماذا تخبرنا عنه؟ أنا سعيد بالتجربة إذ إنني سألحن قصيدة للشاعر نزار قباني. كنت متردداً في بداية الأمر ولكن بعد إصرار السيدة ماجدة قبلت وقررت أن أقدم فيها شيئاً جديداً يحترم كلاسيكية القصيدة ولكنه يختلف من ناحية التوزيع وطريقة التقطيع. وهل تعتبر التجربة الجديدة نقطة تحول في مسيرتك؟ - يمكن أن يكون ذلك التعاون مفترق طريق نحو تلحين القصيدة كما إن التعامل مع ماجدة ونزار قباني بصمة مختلفة الطابع. إلا أن تركيزي الأساسي سيكون على الأغنية اللبنانية. أحاول أن أطبق معادلتي الخاصة: الحفاظ على الأصالة والنكهة الشرقية والمزاج الشرقي والتوجه فيه من طريق التوزيع أو الأداء نحو المنحى الغربي. ومن يتابع تطور الأغنية عندي من "عز الحبايب" مروراً ب"معقول" و"طلع في" وصولاً إلى "كل القصايد" يعرف أن هدفي إيصال الأغنية الكلاسيكية اللبنانية إلى قلوب المستمعين في شكل أعمق. مع من ترفض التعامل؟ - أرفض الصوت الذي لا يخدم أغنيتي أو الشخصية البعيدة من الشخصية الفنية التي أرسمها لنفسي. أحترم خصوصية الجميع ولكل منا ثقافته واقتناعاته، ولكنني لا أريد التعاون مع من يلعب خارج ملعبي. مع كل الفوضى التي تخيم على الغناء اليوم هل حقاً "الجمهور عاوز كده"؟ - انطلاقاً من تجربتي المتواضعة، أرى أن المسؤولية تقع على عاتق الإعلام الذي لا يقدم للمستمع خيارات كثيرة. فمقولة "الجمهور عاوز كده" لن تكون صحيحة إلا إذا قدمت له خيارات لينتقي منها. وأنا ألاحظ أن بين كثرة الخيارات ينتقي المستمع دائماً الخيار الأجمل. الأغنية الجميلة مطلوبة اليوم سواء كانت كلاسيكية أم رومانسية أم إيقاعية أو خفيفة. تجدر الإشارة إلى أن الأغنية المبتذلة لا تضرب وإنما الأغنية البسيطة. والجمال درجات ممكن أن يكون بسيطاً أو عميقاً. والمعيار الحقيقي هو الوقت، فالأغنية التي تستمر هي الأغنية التي تحمل معايير فنية وموسيقية ناجحة.