اتفاقية بين العوالي العقارية والراجحي كابيتال ب 2.5 مليار ريال لتصبح الأكبر في سيتي سكيب 2025    أمانة الطائف تطلق مبادرة (شاعر الأمانة) تشجيعًا للمواهب الإبداعية في بيئة العمل    الصين تطلق بنجاح قمرًا صناعيًا تجريبيًا جديدًا لتكنولوجيا الاتصالات    تراجع أسعار النفط لأدنى مستوياتها في شهر    جوتيريش يدعو مجموعة العشرين لوضع حد للموت والدمار وزعزعة الاستقرار    عبدالعزيز بن تركي يحضر حفل ختام دورة الألعاب الرياضية السادسة للتضامن الإسلامي "الرياض 2025"    «سلمان للإغاثة» يوزّع (530) سلة غذائية في ولاية الخرطوم بالسودان    المملكة توزّع (800) سلة غذائية في محافظة دير الزور بسوريا    استقرار أسعار الذهب في المعاملات الفورية    انطلاق النسخة الأكبر لاحتفال الفنون الضوئية في العالم    افتتاح جامع المجدوعي بالعاصمة المقدسة    الأهلي يتفوق على القادسية بثنائية    إيقاف دياز جناح بايرن 3 مباريات بعد طرده أمام سان جيرمان    الاتحاد يكسب الرياض بثنائية في دوري روشن للمحترفين    الحزم يحسم ديربي الرس بثنائية الخلود في دوري روشن للمحترفين    أميركا لن تنشر تقرير التضخم لشهر أكتوبر    ضبط شخص بمكة لترويجه (8) كجم "حشيش" وأقراص خاضعة لتنظيم التداول الطبي    إنزاغي يعلن موقف بونو من لقاء الفتح    زيلينسكي: نتعرض لضغوط شديدة لدفعنا إلى اختيار بالغ الصعوبة    نائب أمير الرياض يرعى احتفال السفارة العمانية بيومها الوطني    مؤتمر MESTRO 2025 يبحث تقنيات علاجية تغير مستقبل مرضى الأورام    "سكني" و"جاهز" يوقعان مذكرة تفاهم للتكامل الرقمي    أكثر من 100 الف زائر لفعاليات مؤتمر ومعرض التوحد الدولي الثاني بالظهران    عيسى عشي نائبا لرئيس اللجنة السياحية بغرفة ينبع    فادي الصفدي ل"الوطن": "ألكون" شركاء في تطوير طب العيون بالسعودية.. وتمكين الكفاءات الوطنية هو جوهر التزامنا    أسس العقار" تسجل مليار ريال تعاملات في "سيتي سكيب العالمي بالرياض 2025"    "سليمان الناس".. وثائقي يعيد صوتاً لا يُنسى على قناة السعودية    انطلاق النسخة الخامسة من مهرجان الغناء بالفصحى بالظهران    الشيخ فيصل غزاوي: الدنيا دار اختبار والصبر طريق النصر والفرج    الشيخ صلاح البدير: الموت محتوم والتوبة باب مفتوح لا يغلق    نادية خوندنة تتحدث عن ترجمة القصص الحجرة الخضراء بأدبي جازان    تعليم الأحساء يطلق مبادرة "مزدوجي الاستثنائية"    افتتاح مؤتمر طب الأطفال الثاني بتجمع تبوك الصحي    هوس الجوالات الجديدة.. مراجعات المؤثرين ترهق الجيوب    كيف يقلل مونجارو الشهية    الاتحاد الأرجنتيني يعلن فوز روزاريو سنترال بلقب "بطل الدوري"    العبيكان رجل يصنع أثره بيده    كانط ومسألة العلاقة بين العقل والإيمان    العراق يواجه الفائز من بوليفيا وسورينام في ملحق مونديال 2026    المودة تطلق حملة "اسمعني تفهمني" بمناسبة اليوم العالمي للطفل    من أي بوابة دخل نزار قباني        نائب أمير حائل يستقبل د.عبدالعزيز الفيصل ود.محمد الفيصل ويتسلم إهدائين من إصداراتهما    التخصصي و"عِلمي" يوقعان مذكرة تعاون لتعزيز التعليم والابتكار العلمي    أمير تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة نجاح الزيارة التاريخية لسمو ولي العهد للولايات المتحدة الأمريكية    بيان سعودي أميركي مشترك: وقعنا شراكات في جميع المجالا    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام لجمهورية الصومال    أمير تبوك يكرم شقيقين لأمانتهم ويقدم لهم مكافأة مجزية    وسط غموض ما بعد الحرب.. مشروع قرار يضغط على إيران للامتثال النووي    انطلاق النسخة ال9 من منتدى مسك.. البدر: تحويل أفكار الشباب إلى مبادرات واقعية    محافظ جدة وأمراء يواسون أسرة بن لادن في فقيدتهم    الجوازات تستقبل المسافرين عبر مطار البحر الأحمر    ثمن جهودهم خلال فترة عملهم.. وزير الداخلية: المتقاعدون عززوا أمن الوطن وسلامة المواطنين والمقيمين    فلسطين تبلغ الأمم المتحدة باستمرار الانتهاكات الإسرائيلية    غارة إسرائيلية تقتل شخصاً وتصيب طلاباً.. استهداف عناصر من حزب الله جنوب لبنان    أمير الرياض يستقبل سفير المملكة المتحدة    120 ألف شخص حالة غياب عن الوعي    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف وجه لألف عام - الريحاني في "قلب العراق": هل تحققت الأمنيات ؟
نشر في الحياة يوم 14 - 08 - 2004

"الريحاني، أمين: أفضل ما كتبه تاريخه "ملوك العرب" أو "رحلة في البلاد العربية" مجلدان. وفي ريحانياته بعض ما يردّه الذوق السليم صورة ومعنى، وأقبح منها بعض رواياته ذات المغزى الكفري"... هذه الأسطر هي كل ما جاء في كتاب الأب لويس شيخو اليسوعي "تاريخ الآداب العربية" عن أمين الريحاني، وذلك ضمن اطار فصل خاص أفرده الكتاب "لأدباء النصارى العرب" في العصر الحاضر، أي خلال الربع الأول من القرن العشرين. أما يوسف أسعد داغر فإنه في كتابه "مصادر الدراسات الأدبية - الجزء الثاني" يتحدث عن الريحاني في لغة مختلفة تماماً، فهو بالنسبة اليه "لبناني من أئمة الأدب الحديث باللغتين العربية والانكليزية، ليس في لبنان فحسب، بل في العالم العربي طرا. نقّاد جريء، وداعية من دعاة تحرر الفكر من الضغط الديني والسياسي. دعا الى الثورة التجديدية والى الانصاف من التقاليد والأوهام، ومن التعصب الديني". والحقيقة أن هذا التفاوت في الموقف من أمين الريحاني، لم يكن وقفاًًَ على شيخو وداغر، وانما امتد الى جزء كبير من الحياة الفكرية والاجتماعية العربية، التي لطالما حيّرها الريحاني، وحارت في الحكم عليه، إذ اعتبرته حيناً بطلاً من أبطال الوحدة والتحرر العربيين، ونظرت اليه في أحيان كثيرة على أنه "مروّج للأفكار الأميركية في المنطقة العربية. وهكذا ظل الرجل أشبه باللغز، لكن عزاءه في هذا انه يماثل في موقعه موقع سلفه التحرري الكبير عبدالرحمن الكواكبي. وعلى رغم اختلاف النظرة الى الريحاني ما أدى أحياناً الى قيام تظاهرات ضده لدى زيارته بعض البلدان العربية، كالبحرين والعراق، فإن ما لا شك فيه هو أنه كان واحداً من كبار الكتاب النهضويين العرب، خلال النصف الأول من القرن العشرين. وهو قد يكون عبّر عن حسه النهضوي في مئات المقالات المباشرة أو غير المباشرة التي كتبها، لكنه عبر عنه أكثر في كتب الرحلات التي وضعها، كما في الكتب التاريخية حيث يبرز حسّ عربي ورغبات في التطور ومساندة لكل الحركات الناهضة نحو الوحدة والحرية، بدءاً من الملك عبدالعزيز آل سعود، وصولاً الى الملك فيصل الأول، مروراً بالحسن الأول ملك المغرب في ذلك الحين، وحتى بالشيخ خزعل زعيم عرب شرقي ايران...
إذاً، من المؤكد ان تلك الكتب التي وضعها الريحاني، وكلها تعكس رحلات ميدانية، ليكون آخرها كتاب "قلب لبنان" الذي توفي في العام 1940، من دون أن يكمله، تلك الكتب هي أهم ما يبقى منه، بل لعلها أهم مساهمة لبنانية في الفكر العربي خلال ذلك الزمن. ومن بين هذه الكتب يبرز، بالطبع، كتاب "قلب العراق" الذي يتحدث فيه عن رحلة قام بها الى تلك البقعة من الأرض العربية في العام 1922، لكنه لم ينجزه وينشره إلا في العام 1935، ما أثار في حينه ضجة ولغطاً، حتى بين أصدقاء الريحاني ومنهم العلاّمة العراقي محمد رضا الشبيبي، الذي قدم لطبعة لاحقة من الكتاب مثنياً عليه اجمالاً... ولكن من دون أن يورد، مثلاً، ملاحظات مثل: "عرض الريحاني في "قلب العراق" صوراً بشعة عن حياة الطبقة الفقيرة ومساكنها في بغداد، وكان دليله هناك مستشار الأوقاف، وكان هذا المستشار بريطانياً، وإذا اتخذ الزائر من الغرب مرشداً ودليلاً، فأنت تعرف على أي شيء يدل الزائرين إذا كان الغراب دليل قوم/ يدلّهم على دار الخراب، والظاهر ان المستشار صحب الريحاني الى بعض الخانات القذرة القديمة، فأراه هناك صوراً بشعة لبعض باعة الأغذية وغيرها، وهي صور قد يلحق العراق والعراقيين منها سمعة لا يغبطون عليها، بل يتخذ منها الغربيون الطغاة وسيلة للتجني على الشرق"...
غير ان هذا الملاحظات لم تمنع محمد رضا الشبيبي من إضافة أن أمين الريحاني زار "هذه البلاد بعد الثورة الكبرى التي أسفرت عن اعتراف الانكليز المحتلين بحقوق العراقيين في السيادة والاستقلال، وقد استقبل - الريحاني - استقبالاً شائقاً، لأن أبناء العراق وجدوا فيه كاتباً عربياً ثائراً على كل شيء، ثائراً على المجتمع الذي نشأ فيه، ثائراً على الغرب الذي هاجر اليه، وعلى الشرق الذي هاجر منه...".
فما هو "قلب العراق" بعد هذا كله؟ كتاب رحلات كما أسلفنا. لكن أدب الرحلات لدى أمين الريحاني يختلف جذرياً عن أي أدب رحلات آخر، لأن النص عنده، انما هو مكان يروي فيه مشاهداته، ولكنه يبث من خلاله كذلك آراءه وأفكاره، بحيث يبدو النص في نهاية الأمر أشبه بأدب ثوري تحريضي حقيقي... وهو أمر لا يفوت الشبيبي أن يلاحظه، إذ يقول عن الريحاني في "قلب العراق"، مثلاً: "... وهو يعنى كثيراً بشؤون الطبقات الفقيرة ويعرض صوراً من تعاساتها وحرمانها، ويدعو الى الإنصاف في معاملتها. كما يدعو الى التحرر من الخرافات، ولكنه مع ذلك يؤمن بالحقائق الروحية، ويكفر بالشهوات الغريزية...".
يبدأ أمين الريحاني حديثه عن رحلته العراقية الأولى قائلاً: "جئت بغداد من أفق كان في قديم الزمان كثير الأنوار والألوان. جئتها وفي القلب أثر عميق مما لا يزال من تلك البهجة في كتب التاريخ والشعراء. بل جئتها من عالم الأحلام المدبجة حواشيه بالذهب والأرجوان. وبكلمة أخرى: لقد جئت بغداد من عالم ألف ليلة وليلة. فهل يُعجب إذاً لخيبتي، وهل يستغرب غمي؟...". وهو يختتمه قائلاً في وصف مهرجان شهده في العراق عند نهاية رحلته الثانية اليه، أي في العام 1934، احتفالاً بذكرى ميلاد الملك غازي: "... هي ذي طلائع الوطن الجديد، وقد تجلت روحه في الجنسين من النشء العراقي. هي ذي البوتقة التي ستصهر فيها كل الفوارق العنصرية والدينية، لتتكون منها القومية العراقية الواحدة". ولسنا ندري هنا تماماً إذا كانت توقعات الريحاني قد تحققت... لكننا نعرف أن الكتاب إذ يضم رحلتين عراقيتين للريحاني، يفصل بينهما أكثر من عقد من السنين، سجل تطوراً كبيراً حدث في العراق. وهذا التطور عرف قلم الريحاني كيف يعبر عنه حتى في داخل فصول في الكتاب تنتمي حقاً الى أدب الرحلات، تشهد على ذلك عناوين الفصول: الحقائق - الزيارة الأولى - الزيارة الثانية - شارع المستنصر - مغزى اللبنة - آثار العباسيين - الآثار التتارية - المقامان الأعظم والأشرف - كنج عثمان والباز الأشهب - في مقبرة الكرخ - الصوفي الأكبر - المرأة المجهولة - غزوات الأثريين وهو الفصل الذي أثار في وجه الريحاني الضجة الأكبر من صفوف الطبقة المثقفة العراقية، وصولاً الى الحديث عن ضعف المعارضة، وعن قوة المعارضة و"عثرات التعليم الوطني"... الخ.
أما الفصل الأجمل في الكتاب فهو ذاك الذي يتحدث فيه الريحاني عن بعض الشخصيات العراقية الرصافي، الشبيبي، أحمد الصافي النجفي... من خلال زيارته لها، مغتنماً الفرصة هنا للحديث عن مدينة النجف، وفضلها في تخريج كبار شعراء العراق. والحال أن كل ما في كتابه هذا، يؤكد حكم يوسف أسعد داغر عليه: "كان أمين الريحاني مفكراً متحرراً، وناقداً جريئاً في الأدب والاجتماع والفن، ومؤرخاً صادقاً، وكاتباً اجتماعياً دقيق الوصف والتحليل، وروائياً وصافاً، وداعياً للوحدة العربية، وخطيباً ساحراً...".
ولد أمين الريحاني 1876 - 1940 في قرية الفريكة في الجبل اللبناني حيث تلقى مبادئ القراءة والكتابة قبل أن يسافر وهو في الثانية عشرة الى أميركا حيث كان فن التمثيل أول ما تعلم هناك، ثم عاد الى لبنان ليدرس الانكليزية على أصولها في قرنة شهوان، كما تعلم العربية ثم عاد الى أميركا ليدرس المحاماة والرسم والتصوير... وكان ذلك مقدمة لترحاله الطويل والدائم بين الأفكار والأقطار والقارات، ولا سيما في مناطق الجزيرة العربية، حيث ارتبط بصداقة مع الملك عبدالعزيز، وكتب على التوالي، بعض أفضل كتبه عنه وعن الجزيرة، مثل "ملوك العرب" و"تاريخ نجد"، اللذين يتوسطان سلسلة مهمة من كتب للريحاني كرس أولها للثورة الفرنسية 1902 وآخرها لوصف رحلته داخل وطنه لبنان. وقد أبرز كتبه الأخرى: "الريحانيات" 4 أجزاء و"أنتم الشعراء" و"التطرف والاصلاح" و"النكبات" و"ذكرى جبران" بالعربية، و"كتاب خالد" و"صانع الجزيرة العربية الحديثة" بين أعمال أخرى بالانكليزية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.