التحكيم في كرة القدم مهمة سهلة، هذا هو الانطباع الأول لأي متابع لمباريات بطولة أوروبا الثانية عشرة لكرة القدم يورو 2004 التي انتهت مساء الأحد الماضي في لشبونة بفوز اليونان باللقب. الطاعة عمياء من اللاعبين لقرارات الحكام، لا اعتراض ولا تجمهر حول الحكم ولا توقف للمباريات بعد ركلات الجزاء أو الطرد أو الأهداف، سواء كانت محتسبة أو ملغاة، والجماهير لا تمتلك إلا الضجيج عند الاحتجاج. الظروف الجيدة تتيح لأي حكم الفرصة الكاملة لاتخاذ قراراته بشجاعة وعدالة دون ضغوط أو مخاوف. الإيطالي بيير لويغي كولينا كان الأفضل بين 12 حكما أداروا 31 مباراة، ولم يدر المباراة النهائية لأنه نال هذا الشرف في كأس العالم 2002 ولأن احتمالات وصول البرتغال واليونان معاً إلى النهائي - وهو ما حدث فعلاً - كان واردا ولا يمكن لكولينا الذي أدار المباراة نفسها في الافتتاح أن يديرها مجدداً. الإيطالي صاحب العينين الزرقاوين والنظرة الحادة والصلعة الشهيرة تألق في مباراة الافتتاح، واحتسب ركلة جزاء لليونان وهي متقدمة 1- صفر في الشوط الثاني، ولم يجد صعوبة في مباراة إنكلترا وكرواتيا أو مباراة نصف النهائي لتشيخيا ضد اليونان، ودخل التاريخ في المباراة الثانية باحتسابه الهدف الفضي لليوناني ديلاس، وهو أول حكم يحتسب هدفا فضيا في النهائيات. وكان السويدي أندريس فريسك محظوظا بإدارة أربع مباريات وهو رقم قياسي ورفع مجموع مبارياته في بطولتي 2000 و2004 إلى سبع مباريات وهو رقم قياسي أيضاً. وبات أول حكم في البطولة يدير المباريات في كل الأدوار بداية من التصفيات ومروراً بالدور الأول ثم ربع النهائي - اليونان ضد فرنسا - ونصف النهائي - البرتغال ضد هولندا - والنهائي في الدورة الماضية لفرنسا ضد إيطاليا، وهو أول حكم يخرج ثلاثة أبطال سابقين من المسابقة على يديه في دورة واحدة بداية بإسبانيا في الدور الأول وفرنسا في الثاني وهولندا في الثالث. وقدم الألماني ماركوس ميرك أداءً راقياً في لقاء فرنسا وإنكلترا في الدور الأول، واحتسب ركلة جزاء لإنكلترا وهي متقدمة 1- صفر في الشوط الثاني ثم احتسب ركلة جزاء لفرنسا في الوقت بدل الضائع والفريقان متعادلان 1-1 واكتفى بإنذار اللاعب المخطئ في الحالتين لعدم وجود فرصة محققة لإحراز هدف. وتجاوز ميرك في المباراة النهائية كل الضغوط التي أحاطت بصداقته بمواطنه مدرب اليونان أوتو ريهاغل، ووصلت شجاعته إلى حد احتساب أربعة أخطاء ضد لاعبي البرتغال في الوقت بدل الضائع. السلوفاكي مايكل لوبوس أدار ثلاث مباريات وغفر له المسؤولون الخطأ غير المتعمد الذي ارتكبه بطرد حارس مرمى المنتخب الروسي في مباراة البرتغال بدعوى لمسة يد متعمدة خارج منطقة الجزاء. الإسباني ميخوتو أدار مباراتي إيطاليا ضد الدنمارك وتشيخيا ضد هولندا ولم يحصل على فرصته كاملة بعدما أخطأ في عدم احتساب ركلة جزاء واضحة للهولندي فان نيستلروي من إعاقة تشيخية واضحة. الدنماركي كيم ميلتون نيلسين كان أبرز المرشحين باكراًً للمباراة النهائية، وأبعدته اللجنة العليا عن المباريات الحساسة في البداية لادخاره للنهائي، ولكن أخطاءه الجسيمة في مباراة فرنسا ضد كرواتيا قوّضت فرصته باكراً، واحتسب ركلة جزاء غير صحيحة لكرواتيا ورد عليها بهدف غير صحيح لفرنسا. أدنى الحكام في المستوى كان الإنكليزي مايك ريلي في مباراة السويد ضد بلغاريا، وخالف القانون في ركلة حرة غير مباشرة احتسبها للسويد في الدقيقة 18 عندما اصطدمت قدم البلغاري بيتكوف المرفوعة لأعلى برأس السويدي لارسون وبعدها أنذر بيتكوف في تلك الواقعة. والإنذار يؤكد أن المخالفة مقصودة من بيتكوف، وهنا كان احتساب ركلة حرة مباشرة مسألة حتمية. ولأن المخالفة كانت داخل منطقة الجزاء فالقرار هو ركلة جزاء للسويد، ولكن احتساب ركلة حرة غير مباشرة يؤكد أن المخالفة هي لعبة خطيرة غير مقصودة.. وعندئذ يكون الإنذار خاطئاً.