لم أصب بالدهشة عندما رأيت غيرهارد شرويدر، مستشار ألمانيا، يتمايل فرحاً ويرقص على المسرح احتفالاً بانضمام عشر دول أوروبية شرقية الى الاتحاد الأوروبي. فها هي أوروبا تتوحد تحت الزعامة الألمانية - الفرنسية، رافعة راية السلام والمنفعة المتبادلة بعد ان استعصت على ألمانيا النازية، في عهد هتلر وجيوشه الجرارة. وها هو الاتحاد الأوروبي الناهض، على رغم 30 لغة مختلفة، المرشح الأول لتبوؤ القطب العالمي الثاني اقتصادياً ثم عسكرياً. وقد يكون القطب الأول في مدى أطول، لتعود أمجاد القارة الأوروبية مرة أخرى في قيادة العلم والديموقراطية. وعندها ستنحاز بريطانيا الى الاتحاد الأوروبي. ولا يخفى على أميركا ان الديموقراطية ستدفع بالاتحاد الى معدلات عالية من التنمية والتقدّم وانطلاق الفكر والابداع. فتضع العراقيل في طريقه سراً. وهي لا تخشى من الصين على رغم التنمية المرتفعة، ودخول سباق التسلح، الا ان بذور الفساد والأنانية متبقية من آثار الحكم الفردي. ويكفي ان جيانغ زيمين، رئيس الجمهورية السابق، لا يزال رئيساً للجيش والبوليس. وهو ما يفسّر اعطاءها ميزة الدولة الأولى من الرعاية اقتصادياً. ويلقي ذلك ضوءاً على تشرذم الدول العربية، على رغم وحدة اللغة وغيرها. ويأتي في مقدمة الأسباب أنانية الحكام العرب المفرطة، وعدم استعدادهم للتضحية بشيء لمصلحة شعوبهم. وتتنافر وتتعارض أقوالهم مع أفعالهم. فهم، مثلاً، يطالبون المجتمع الدولي باعطاء شعب العراق حق تقرير المصير ورفع الظلم عنه، وهم يسحقون شعوبهم، ويسلطون عليهم جوقة من المنافقين يأكلون الأخضر واليابس. وحولوا المنطقة العربية الى طاردة للديموقراطية، فتعثرت التنمية، وازدرى العلم، وكلهم يعمل بناء على تعليمات "الزعيم"، المشغول بكرسيه تماماً، وأصبح استقراره عليه من أمن الدولة العليا. وعودة على بدء، فها هي ألمانيا تعود لتشكل خريطة العالم من جديد بجهد ابنائها. ومع ان كول هو بطل الوحدة الألمانية والأوروبية، الا ان الشعب رأى ان يجدد دماء الحكم. فأتى بشرويدر. وها هو الشعب يهم بتغييره، ما دفعه الى التخلي عن رئاسة الحزب الاشتراكي - الديموقراطي لمصلحة رئيس الكتلة البرلمانية بعد ان أخفق في الانتخابات المحلية. وقد أعجبني وزير الاقتصاد السابق، في حكومة كول، الذي سألوه، في أحد البرامج الحوارية، عن سر هوايته الهبوط بالمظلات، فرد قائلاً: انه كسياسي لا بد ان يتعوّد على الهبوط السريع ليحاول الصعود من جديد. ويا له من رد رائع... فأين نحن من ذلك؟ مصر - مصطفى سالم كشك مستشار اقتصادي