اليوم ظهرت حكومة عراقية للعلن، حاملة على أكتافها إرثاً ثقيلاً من خراب ودمار، وأمامها تحديات جسام. وعليه، نحن كعراقيين، من الأجدر بنا أن نقف ونتصارح ونضع الحقيقة أمام أعيُننا، ولو لمرّة واحدة، ونسأل: ماذا نريد وأي مستقبل ننشد؟ فإن واصلنا رفع الشعارات والمزايدات، فعلينا جميعاً أن نعلم أن حجز المقاعد لا يأتي اعتباطاً، واننا كنا في مركب واحد، والآن كلنا تحت الاحتلال. والسؤال الأهم هو: هل نستمر في المزايدات الوطنية، أم نتركها جانباً ونبدأ بالبناء؟ وليعود التاريخ بنا جميعاً للوراء قليلاً، ولنأخذ منه العبر ونتذكر شعار "البعث صخرة تتحطم عليها مؤامرات الاستعمار والرجعية"، في الوقت الذي كانت مكاتب CIA مفتوحة الأبواب داخل بغداد لتتشاور مع المقربين من أعوان صدام. وهذا الأخير يجلس مرتاحاً يراقب المفاوضات عبر لاقطات الصوت والشاشات الناقلة لمكتبه الخاص. وهذا ما أكده مدير الاستخبارات العسكرية، وفيق السامرائي. ناهيك عن مسؤوليات المكتب العسكري الذي أنشئ مطلع الثمانينات، إبان الحرب العراقية - الايرانية في واشنطن. اضافة الى اتفاقية 1975 مع شاه إيران، والتنازل عن شط العرب في مقابل وقف القتال مع الأكراد. كل هذا وصدام هو الوطني الأول. ولم يكن في استطاعة أحد المزايدة على وطنيته لأن الذي حجز مقعداً في حكومته عرّف نفسه بالوطني متهماً الآخر بالعمالة للأجنبي. وأضيف التفريط بثروة العراق النفطية، ومعيشة العراقيين على 5 في المئة من ايراداته، بحجة البناء والتصنيع العسكري. وتوّج هذا بصواريخ أُطلقت على اسرائيل، ولم تُغير من المعادلة السياسية قيد أنملة. والوطني الأول يقود البلاد الى الهاوية، انشغل معظم العراقيين بفك ألغاز حزب البعث، وانقلاب 1968، وإقامة صدام في مصر وارتباطاته بدوائر CIA، وكيفية اختفائه عن رفاقه لمدة ليست بالطويلة دُرب خلالها على أيدي استخبارات دولة ما. كل هذا حدث ولكن يجب ألا ننسى هنالك نسبة غير قليلة من العراقيين هتفت وصفقت لهذا الوطني، وساهمت في دعمه ليتمكن من العراق طوال العقود الماضية. والآن ظهر رئيس وزراء العراق الجديد، في أول لقاء له أكد ان برنامجه السياسي الأمن والاقتصاد أولاً والعراق الواحد. وعلينا ألا ننسى التقارير الصحافية التي رافقته وتحدثت عن قربه من دوائر CIA. وهو بدوره لم ينكرها، أو يعلق عليها. وحسناً فعل. وبهذا أعفى العراقيين من شغل أنفسهم بفك ألغاز ماضية. ويأتي هنا دور العراقيين ليدافعوا عن مفهوم الديموقراطية، وليتمسكوا بالانتخابات أولاً، وليصرّوا على حقهم في دعم الحكومة الجديدة خادمة لهم، وليس العكس. فإذا وفت هذه الحكومة بالتزامها اعادة الكهرباء وحفظ الأمن، واستطاعت أن تُفعّل قانون الكفاءات الوطني، الذي سنّ في منتصف السبعينات ومن خلاله استقطب العراق آلافاً من أبنائه المغتربين الكفوئين، واستطاعت وزارة المرأة الفتية أن تُفعل دور المرأة، وتُزيل مفاهيم "اتحاد نساء العراق" القائم على أساس التهافت على ارضاء وخدمة زوجة الرئيس وحاشيتها، وجعل القانون فوق الجميع، وحقوق الانسان لكل العراقيين. وفوق كل ذلك الاعلام المستقل، والكاشف لمخالفات السلطة، حين ذاك يتحقق شعار العراق الواحد الديموقراطي. ويصبح معيار الوطنية الحقة هو خدمة العراقيين. وعليه فمن يريد المزايدة على تقديم خدمة أفضل للشعب، فليتفضل، ويحجز مقعداً. وليترك لعبة فك الألغاز والكلمات المتقاطعة. المملكة العربية السعودية - سكينة الدّلي صحافية من العراق