بدأ العدّ العكسي لموعد ارتفاع الستارة عن مسرحيّة منصور الرحباني الغنائيّة الجديدة "حكم الرعيان" التي انتجتها "مهرجانات بيت الدين" لبنان وتقدّمها على امتداد أربع أمسيات ابتداء من 11 آب أغسطس المقبل. واعتبرت نورا جنبلاط رئيسة اللجنة، خلال لقاء مع الاعلام أمس في "دار نقابة الصحافة"، بحضور النقيب محمد البعلبكي، ونجوم العمل: لطيفة التونسية، رفيق علي أحمد، ورد الخال، أنطوان كرباج... أن منصور الرحباني هو "وسام شرف على صدر مهرجانات بيت الدين". ومنصور العائد مع ابنائه الثلاثة غدي وأسامة ومروان شاركوا في التوزيع والتلحين، والاخراج يحمل توقيع مروان الرحباني، يبتعد هذه المرّة عن التاريخ الذي توسّله في السنوات الماضية أداة لمقاربة الراهن، من سقراط 1998 الى المتنبي 2001 وصولاً إلى أندلس "ملوك الطوائف" 2003. فهو في عمله الجديد "حكم الرعيان" يلجأ الى الخرافة والفانتازيا، ليقدّم "مسرحيّة غنائيّة سياسيّة" بتعبيره تتطرّق الى الواقع اللبناني بالايحاء والرمز، من دون أن تقع في المباشرة أو تتورّط في نقد صريح للمؤسسة السياسية. وهذا الخيار يعيد الصلة بتراث الرحابنة الذين طالما اعتمدوا التورية والترميز ولغة الشعر، في أعمال من "المحطّة" إلى "الشخص" كانت من العلامات الفارقة للجمهوريّة الأولى في لبنان، قبل الحرب الأهليّة. "حكم الرعيان" كما يقدّمها منصور "قصّة غير واقعيّة، ما حدثت ولا يمكن أن تحدث... مثل قصص الجدات حول موقد النار". بلد اسمها "كرمستان" خاضعة لمزاج حاكم متسلّط غريب الأطوار هو رعد الثالث أنطوان كرباج المهووس بالسلطة الى حدّ التخلص من كل الورثة المحتملين، حتّى أن عرشه مجهّز ب"جهاز انذار" مثل الذي يستعمل لمنع سرقة السيارات! وتخبره جاريته ست الحسن لطيفة عن بيت عتابا سمعته من الراعي سعدون رفيق علي أحمد الذي يمدّ البلاط بحليب الماعز "كرمستان لو صار وحكمتك/ لمشّي الديب والعنزي سوا"، فيقرر تعيين هذا "الراعي الجاهل" في السلطة مكانه، على أن يدير هو دفة الحكم من الكواليس. واذا بالراعي يحكم بالعدل والإنصاف، فتزدهر كرمستان ويعم الرخاء... لكن الامر لا يروق لرعد الثالث الذي يدبّر مكيدة للراعي بناء على نصيحة زوجته ورد الخال، وبمساعدة ست الحسن التي لا تلبث أن تنقلب عليه وتقع في غرام الراعي سعدون. وتعليقاً على المسرحيّة يؤكد منصور الرحباني أن شغله ليس تقديم الاجابات بل طرح الاسئلة، وحثّ المشاهدين على التفكير. ويطلق صرخة انذار، بنبرة غضب ويأس وتعب: "الوطن يفلت منّا ونحن غافلون. عليكم أن تفكروا جيداً... ليس أمامنا بصيص ضوء، فيما أولياء الأمور يتناحرون على المكاسب والمناصب". "وهل سيحضر رئيس الجمهوريّة العرض الافتتاحي ل"حكم الرعيان"؟" يسأل أحد الحاضرين! "طبعاً، إنّه صاحب الدار"، تجيب السيدة جنبلاط. ويهدئ مروان الرحباني اللعبة: "هذه المسرحية مجرّد فانتازيا... قصّة خيالية تحاكي الواقع بأسلوب فنّي وخيالي". لكن أنطوان كرباج تدخّل في المؤتمر الصحافي محتجاً: "هذه القصة - ليسمح لنا الأستاذ منصور - حدثت وتحدث وستحدث! ومسرح الرحابنة قائم على التحريض لا على التنفيس". ولعلّ المفاجأة الحقيقية ل"حكم الرعيان"، بعيداً عن الخلاف على تأثيرها "التحريضي" أو "التفريغي" المفترض، ستكون مشاركة لطيفة للمرّة الأولى في المغامرة الرحبانيّة تمثيلاً وغناء. والفنانة التونسيّة التي قالت إنّها تعتبر لبنان وطنها الثاني، لأسباب عدّة تبدأ من كونها "حفيدة أليسار" ولا تنتهي عند "صوت فيروز الذي طبعها منذ البدايات"، قد تضيف برصانتها وصوتها وهالتها الفنيّة وحضورها وعمق ادائها، اللمسة السحرية التي تفتقر إليها المؤسسة الرحبانية، في الوجدان الجماعي، منذ تواري فيروز.