أقل ما يقال في الخلاف الدائر داخل العائلة الرحبانية هو كلمة «عيب». ليس فقط لأن خلافاً كهذا بأبعاده وخلفياته المادية لا يليق بإرث الرحابنة، كما يترك جرحاً في قلوبنا حيال ما يتعرض له هذا الصوت الملائكي، صوت فيروز، الذي نشأنا عليه وكبرنا، ورافقنا في غربتنا، حتى اصبح الخيط السالك الوحيد الذي يشدنا الى قرانا وقَمرنا وملاعب طفولتنا. ليس هذا فقط، بل ايضاً لأننا لم نفكّر يوماً عندما كنا نسهر عند «جسر القمر» أو ننحني امام عظمة «غربة» وهي تقف بكبريائها في وجه «فاتك المتسلط» عند اقدام «جبال الصوان»، كم قبض عاصي وكم كانت حصة منصور من تلك الأعمال! في اعتقادنا ايضاً أنه لو كان عاصي ومنصور يفكّران بذلك لاقتسما «الغلّة» في حياتهما، ولما حرصا على توقيع اعمالهما ومسرحياتهما باسم «الأخوين رحباني». وهو ما يدفع الى التساؤل عن الدوافع وراء الحملة القائمة الآن على فيروز. لا شك في أن غدي وأسامة ومروان الرحباني يقدّرون أهمية ما ترك والدهم وعمهم، وما هي قيمة الفن الرحباني بالنسبة الى لبنان. كما يقدرون قيمة فيروز بالنسبة الى لبنان. لذلك من المستغرب أن تكون فيروز، بالنسبة اليهم، باتت تحتاج الى تعريف في الدعاوى التي رفعوها امام المحاكم، فأصبح اسمها «نهاد حداد ارملة عمنا عاصي»! اول من امس، احتشد كثيرون في بيروت وفي عواصم عربية اخرى يطالبون برفع الحجر عن صوت فيروز. لم يكن مهماً بالنسبة الى هؤلاء من هو على حق ومن على خطأ، وإلى جانب من تقف الحقوق القانونية. كانت صرختهم الصامتة واحدة: فيروز ملك لنا جميعاً، هي التي تجمعنا في افراحنا وهي التي تخفف عنا همومنا وأحزاننا. ارفعوها فوق جشعكم وصغائركم. ما هكذا تعامَل فيروز ولا هكذا يصحّ نشر الغسيل فوق السطوح. من المخجل أن ورثة محمد عبد الوهاب وفيلمون وهبي يتجاوزون المطالبة بحقوقهم المادية عن الألحان التي تغنيها فيروز، فيما «اهل بيتها» يكسبون الدعاوى التي لا تتيح لها تقديم مسرحيات الرحابنة. من المفارقات ايضاً أن هذه الحقوق لا تُطلب مثلاً من الفنانين وديع الصافي وملحم بركات ورونزا وعفاف راضي وسواهم ممن انطلقت حناجرهم، ولا تزال، بألحان الأخوين رحباني، فيما نجد أن فيروز وحدها متهمة ب «سرقة الحقوق»! نخشى ان نقول ان ما يحصل حالياً داخل العائلة الرحبانية يعمل على هدم ارث الرحابنة وعلى تشويه صورتهم. ومن هنا واجب من يستطيعون وقف هذه المأساة المعيبة، والدعوة موجهة خصوصاً الى الفنان الياس الرحباني، رفيق عاصي ومنصور و»ابنهما»، للعب دوره لوضع حد لما يجري، بحق لبنان اولاً وبحق احدى آخر قيمه الإبداعية، في ظل الدمار والعفن اللاحقين بكل قيمة اخرى، وأيضاً بحق العائلة الرحبانية التي نريدها ان تبقى اكثر رفعة مما يفعله بها «الورثة» اليوم.