كنت عائداً الى بيتي، والحزن كظل يتبعني، تميل الشمس فيمتد. ويجيء الليل كعاصفة، والدرب كأوله يبدو. أسمع في الصمت من يبحث عن طعامه. وثمة حركات في غرف النوم تفوح منها رائحة النبيذ والنرجيلة. وصبي يقف على حدود الغابة يرفع يديه نحو السماء مبتهلاً، يستعجل سيد الحياة والأحياء، ليسكب دموعه دافئة عطرة، وتتفجر بحبه الينابيع وتفيض الأنهار ويغتسل الحجر من صدأ السنين. وقفت بجانبه. التفت نحوي قائلاً: لماذا وقفت هنا يا جدي؟ أريد ماء كي لا يدب اليباس في وجهي ويفقد ماءه، ويسطع حلمي كبقعة ضوء فوق قطعة رخام أبيض. يا بني! من يفقد ماء وجهه يهرب من ظله، ويخاف أن ينظر الى نفسه في المرآة. وإذا صادف وشاهد نفسه فيها يرى مستقبله القاتم في الأخاديد السوداء التي غزت وجهه. فعندما يتمكن منك الظمأ أصغي الى صوت أمنا الحنون، الأرض. ودعته وسرت نحو بيتي. نظرت اليه من النافذة. كان جاثياً على قدميه ينصت لصوت الأرض. وجد الصبي ضالته، قلت في نفسي. بعد برهة قفز في مكانه، وراح يرقص ويغني. حماه - علي محمود خضور