استقبلت الأوساط الاقتصادية في مصر التقرير الأول عن القدرة التنافسية الذي صدر الثلثاء الماضي باهتمام لسببين أن وزير التجارة الخارجية يوسف بطرس غالي صاغ مقدمة التقرير الذي ينتقد بشدة الأوضاع الاقتصادية في البلاد ما يعني موافقة شبه رسمية على ما جاء في التقرير. واعتبر غالي أن التقرير، اضافة إلى أنه يقدم رؤية واضحة عن موقف القدرة التنافسية للاقتصاد القومي، هو نقطة تحول في فكر الحكومة، إذ ينتقد قطاع الأعمال للمرة الأولى أداء الاقتصاد كما يُعد أول تقرير مصري يرصد هذا الأداء وفق معايير دولية معترف بها تعتمد على منهج دولي موحد ما يعني حسب الوزير نضوج الاقتصاد المصري والعاملين فيه من الحكومة وقطاع الأعمال وإدراكهم أن الاقتصاد الجيد ينبغي أن يسبقه أولاً فكر متطور ومنفتح على المقاييس الدولية. واكد غالي على دور الحكومة في تحسين مناخ قطاع الأعمال من خلال شطب البيروقراطية إلا أن قطاع الأعمال يتحمل مسؤولية كبيرة لتكون المشاركة بين الحكومة وقطاع الأعمال هي اساس تفعيل التغييرات اللازمة لحفز القدرة التنافسية للاقتصاد. سألت "الحياة" الدكتور محمد عسكر راصد التقرير، ورئيس جمعية شباب الاعمال حلمي ابو العيش صاحب فكرة التقرير عن مغزى صدوره أجابا: "رصدنا الوضع الاقتصادي الحقيقي بعيداً عن أي مزايدات ملتزمين الحياد آملين اهتماماً اكبر بالتقارير المقبلة". وكشف عسكر عن رضى بعض الرسميين عن المضمون لكن في حاجة الى تحول هذا الرضى الى مشاركة حقيقية. وجاء في التقرير، الذي أصدره المجلس الوطني المصري للتنافسية، أن وتيرة اندماج الاقتصاد المصري في الاقتصاد الدولي تسير ببطء شديد مقارنة مع دول أخرى ولا تزال نسبة صادرات مصر من السلع والخدمات الى اجمالي الناتج المحلي منخفضة قياسا بدول المقارنة، كما أن صادرات النفط والمنتجات النفية تمثل النصيب الأكبر من صادرات مصر السلعية ما يترتب عليه حدوث ضغوط متكررة على ميزان المدفوعات تأثراً بتذبذب أسعار النفط في الاسواق الدولية. واكد التقرير أن أداء مصر مقارنة بقدراتها الكامنة فيما يخص جذب الاستثمار الاجنبي المباشر لا يزال متواضعا إذ أن نسبة تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر الى اجمالي الناتج المحلي لا تذكر كما أن معظمها يتركز في قطاع الطاقة، وتأثر تدفق الاستثمار الاجنبي المباشر الى القطاعات الاخرى سلباً ببعض العوائق في بيئة الأعمال، إضافة الى التطورات الأخيرة في سعر الصرف والسياسات المالية. وعلى رغم استمرار القطاع الخاص في كونه اللاعب الرئيسي في النشاط الاقتصادي، فإن أحدث البيانات تشير الى وجود تراجع في استثمارات القطاع الخاص نتيجة للعوامل السلبية في مناخ الاستثمار. وفي شأن تطور البنية التحتية توجد بعض التطورات الايجابية فيما يتعلق بقطاعي الكهرباء والاتصالات واستكمالاً لهذه الجهود يجب الاستمرار في تطوير البنية التحتية لقطاع المواصلات وكذلك البنية التحتية الرقمية التي تمثل حجر أساس لاقتصاد حديث يتسم بالتنافسية. وفي شأن التعليم ينبغي تضافر جهود الاصلاح لتقليص الفجوة القائمة ما بين مخرجات نظام التعليم من ناحية وبين متطلبات سوق العمل من ناحية أخرى اذ "حان الوقت للتغاضي عن المسكنات القصيرة الاجل والحلول الموقتة من اجل الخروج برؤية واضحة تعتمد إصلاح التعليم والاستثمار في الموارد البشرية كحجر زاوية للارتقاء بالقدرة التنافسية". وعلى صعيد بيئة الأعمال والجهاز الإداري للدولة، ثمة توافق في الأراء على أن منهج السياسات والقوانين المنظمة للاستثمار والانشطة الاقتصادية أثر سلباً على تنافسية بيئة الاعمال في عدم كفاءة البيروقراطية، عدم وضوح أسس اتخاذ القرار، بطء اجراءات التقاضي، وغياب محاكم متخصصة للنزاعات التجارية تُعد بعض الامثلة للعوائق المرتبطة ببيئة الاعمال وايضا فإن النظام الضريبي والجمركي يُعد من أهم العوامل التي تعوق النشاط الاقتصادي، كما أن الحصول على تمويل اصبح أخيراً من العوامل الرئيسية التي تحد من استثمار القطاع الخاص كذلك فإن التأخير في إصدار بعض القوانين قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار، قانون حماية المستهلك، قانون الضرائب الجديد اضافة الى عدم فاعلية بعض القوانين بسبب التأخير في إصدار اللائحة التنفيذية اثار التساؤلات حول مدى التزام الحكومة دعم جهود القطاع الخاص. وجاء في التقرير: "يتبين أنه في عام 2003 حدث تحسن في مصر في مدى استخدام التطورات التكنولوجية والقدرة على الاختراع، وان كان بمعدلات أقل من دول المقارنة وحدث تراجع في أداء مصر على مستويات عدة منها الأداء العام للاقتصاد، مؤشرات الاقتصادي الكلي، البنية التحتية، المؤسسات العامة تنفيذ العقود، القوانين، الفساد، المنافسة المحلية، عمليات واستراتيجيات الشركات، ومؤثرات البيئة. ترتيب مصر وجاء ترتيب مصر في مؤشر تنافسية النمو في المركز 58 من بين 102 دولة شملها التقرير، ويظهر أن ترتيب مصر في المؤشر الجزئي للتكنولوجيا جاء في المرتبة 68 وفي هذا السياق، فإن ترتيب مصر جاء أعلى من المغرب وتركيا والجزائر، بينما كان أقل من اسرائيل والاردن وتونس، واظهر التحليل ان تحسين مؤشر تنافسية النمو يتطلب تحسين سياسات الاقتصاد الكلي، وجودة المؤسسات العامة والعمل على تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. كما جاء ترتيب مصر في مؤشر تنافسية بيئة الاعمال الذي يتكون من كل من مؤشر عمليات واستراتيجيات الشركات، ومؤشر جودة بيئة الاعمال المحلية في المركز 58 من بين 102 دولة، وهو ما يبين أن أداء مصر جاء متراجعاً عن جميع دول المنطقة باستثناء الجزائر، وهو ما يبين بدوره أن أداء مصر الاقليمي في هذا المؤشر يعد أضعف من ادائها في مؤشر تنافسية النمو. الوضع المالي ومعدلات التضخم ورأى التقرير ان الاستقرار الاقتصادي الذي تحقق في النصف الأول من التسعينات اصبح مهدداً بتدهور الوضع المالي وتسارع معدلات التضخم، وما يزيد من تفاقم الموقف زيادة معدلات البطالة والتباطؤ في الاصلاح الهيكلي خصوصا برنامج التخصيص كما أن معدلات الادخار والاستثمار لا تزال منخفضة مقارنة بالدول النامية الأخرى، وهو ما يمثل تحديا واضحاً لتحقيق معدل النمو اللازم لاستيعاب الزيادة المطردة في قوة العمل وكذلك خفض المستوى الحالي للبطالة. واشار إلى أن انخفاض معدلات النمو في الاتجاهات القائمة للمؤشرات الديموغرافية تسبب في ارتفاع معدلات البطالة الى مستويات عالية كما أن هناك عوامل خارجية تؤثر سلباً في احتمالات تسارع معدلات النمو اهمها عدم الاستقرار الأمني في المنطقة، لكن تعد بعض العوامل الداخلية أشد تأثيراً مثل عدم وجود يقين حول نتائج السياسات الاقتصادية، اضافة الى العوائق سالفة الذكر في بيئة الاعمال والتي تؤثر سلباً على قرارات الاستثمار. وشدد التقريرعلى تفعيل الاجراءات اللازمة لزيادة الصادرات من السلع والخدمات وجذب المزيد من الاستثمار الاجنبي المباشر التباطؤ في الاصلاح الهيكلي كان له تأثير سلبي على الأداء الاقتصادي الكلي وعلى رغم التحسن في القطاع الخارجي والناتج بصفة أساسية من تخفيض قيمة العملة وانخفاض الواردات بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي نجد تراجعا في مؤشرات أداء السياسة المالية. ولاحظ أن مصر أظهرت أداء متواضعاً مقارنة مع دول المقارنة فيما يخص معظم مؤشرات التنافسية في التجارة وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر ويعد الإصلاح الضريبي والجمركي أهم الاجراءات اللازمة لخفض كلفة المعاملات في الاقتصاد المصري، التي تعد مرتفعة مقارنة بدول المنطقة، وذلك فضلاً عن ان تأخر تلك الاصلاحات ساهم في خلق مناخ عام ايحابي للنشاط التصديري، كما ان خفض كلفة المعاملات لا بد أن يتم من خلال جهود اصلاحية متوازية تستهدف كلاً من النظام القضائي والجهاز الاداري للدولة. مجموعة فرص وفي اطار تحليل لوضع التنافسية المصرية قدم التقرير مجموعة الفرص التي ان امكن استغلالها سيكون من شأنها تحسين وضع تنافسية الاقتصاد المصري: 1- تبني نهج متكامل نحو بناء التنافسية يتضمن رؤى جميع الاطراف المعنية ويضع المعرفة والقدرة على الاختراع كهدف رئيسي. 2- تشجيع الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني على تبني ممارسات جيدة بما يتسنى مزيد من الشفافية والحوكمة الجيدة. 3- العمل على مواءمة الاطر الحاكمة للنشاط الاقتصادي مع افضل الممارسات الدولية بما يدعم الجهود اللازمة لارساء قواعد اقتصاد وطني يقوم على المعرفة والقدرة على الاختراع. 4- المضي في اصلاح سياسة سعر الصرف وهو ما من شأنه تعضيد ثقة المستثمر المحلي والاجنبي، وكذلك زيادة تنافسية الصادرات. 5- العمل على وجود توازن ما بين السياسات المالية والنقدية بهدف تعظيم الاستقرار على مستوى الاقتصاد الكلي وكذلك خفض مستوى اسعار الفائدة لتشجيع الاستثمارات. 6- استكمال اجراءات تحرير التجارة من خلال اصلاح هيكل الحوافز وكذا ازالة جميع العوائق التي تقف حائلاً دون زيادة الصادرات المصرية. 7- متابعة تنفيذ الاصلاح الهيكلي مع التركيز على اصلاح القطاع المالي واعادة تفعيل برنامج التخصيص. 8- تحسين مؤشرات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ودعم جهود البحث والتطوير والاختراع تعد من الاجراءات المهمة لزيادة فرص النمو المستقبلية ورفع مستوى التنافسية. 9- العمل على تطوير إطار منهجي متكامل لتقويم اسس التنافسية الصناعية وادارة عملية النمو الصناعي، وهو الاطار الذي يتيح صياغة سياسات محددة لتشجيع التكامل الرأسي في القطاع الصناعي وكذلك العمل على اقامة تجمعات صناعية. 10- دعم جهود تأسيس مركز "رصد التنافسية" لجمع وتحليل البيانات عن كل المؤشرات التي تؤثر في عناصر التنافسية المصرية. واكد القائمون على التقرير أنه يمثل مبادرة لا تزال في بدايتها، ولا يمثل بأي شكل نهاية المطاف فيما يخص وضع التنافسية المصرية، ومن المنتظر ان يستمر العمل لتطويع مفهوم التنافسية ليتلاءم مع خصوصية الاقتصاد المصري، وكذلك العمل على تطوير البيانات والمؤشرات اللازمة لقياس محددات التنافسية، ولا يزال الهدف الاشمل لهذا التقرير هو تقديم المشورة لصانعي القرار في شأن جوانب الضعف في اداء الاقتصاد المصري للعمل على علاجها، وجوانب القوة للعمل على تحسينها وحسن استثمارها وعليه فإن هذا التقرير من شأنه أن يسهم في تحديد اولويات الاصلاح في مصر.