كشف صيف الشاطئ السوري عن عودة الروح لكتابات ورسومات الوشم التي تصبغ أجساد الشباب السوري بعد ان غدت صرعة. وبدا ان نتاجات الوشم صاخبة وضجرة تعكس روح القرن الحادي والعشرين، عصر السرعة والاتصالات، بخلاف "لوحات" الغجر الوشّامين الذين اشتهروا بمزاولة مهنة الوشم في سبعينات القرن الماضي. وانتشرت محلات الوشم على طول الساحل السوري داعية الوافدين إليه، وخصوصاً الشباب، الى تجريب "التقليعة" الجديدة التي يتعهد البحر بكشف الجسد المتلون بها. ولعلّ في ذلك إشارة جلية الى حلول مظاهر العولمة محل القيم الاجتماعية المحلية واتساع رقعتها لتشمل الشواطئ المحافظة، نوعاً ما. يرجع تاريخ الوشم الى أربعة آلاف عام زمن الفراعنة. واستخدمته مختلف الشعوب بهدف الزينة وإبراز المفاتن والرموز التي حفلت بها الأساطير ولإخفاء العيوب والتشوهات الجسدية، وكذلك في تمييز الرقيق والسجناء والرعاع عن أفراد القبيلة والنبلاء. واسترعى اهتمام المتخصصين، في الآونة الاخيرة، عدم ايلاء الشبيبة والوشامين الجدد الوشم العناية التي يستحق. ولفت هؤلاء الى التقارير التي اصدرتها هيئات علمية عالمية للتحذير من خطورة الوشم، ومثلها توصيات اللجنة الأوروبية التي نبهت الى مضار المواد الكيماوية المحقونة في الجلد و"مخاطر العدوى بأمراض مثل فيروس نقص المناعة المكتسبة الايدز والتهاب الكبد أو الإصابات البكتيرية الناجمة عن تلوث الإبر"... اضافة الى إمكان الاصابة بسرطان الجلد والصدفية. وفيما عزت شابات شيوع ظاهرة الوشم وانحيازها جهة الرسومات والألوان الصاخبة الى تقليد نجمات هوليوود كمادونا وجوليا روبرتس وويتني هيوستن، ردّ الشبان ذلك الى اقتفاء أثر ملوك أوروبا أمثال الانكليزيين جورج الخامس وادوارد السابع والاسباني ألفونسو الثاني عشر والروسي نيكولا الثاني. واللافت مزاولة الوشامين في الساحل السوري عملهم أمام أعين الرقابة من دون الاكتراث بالقوانين التي تحظر ذلك بعد ان ضيق الخناق على زملائهم ما اضطرهم الى نقل مقار عملهم الى بيوتهم داخل الأحياء الشعبية هرباً من ملاحقة السلطات. وأشار أحد الوشامين الى ان تقنيته في الوشم تعتمد على جهاز بسيط يعمل بالبطارية مثبتة إليه إبرة الوشم، وهو من صنع محلي، من دون الالتفات الى نوعية الحبر المستخدم. واعتبر عبدالله محمد 25 عاماً ان الوشم الذي اختطه على ساعديه وصدره دلالة على "النضوج والرجولة" ولجذب اهتمام "الجنس الآخر"، ولذلك اقتنص كل مناسبة لزيارة المسابح وشاطئ البحر لعرض رسومات "المرساة والعقرب والأفعى" التي تتلوى على ساعده الأيمن. وحظيت الأفعى وسرطان البحر والأسد والنمر والعقرب، وفي شكل عام الحيوانات المفترسة والسامة، بحصة كبيرة من الرسومات التي تتربع غالباً على مساحات الجلد التي يمكن اظهارها بالنسبة الى الذكور بينما تحتل المساحات المغطاة بالثياب، مثل الصدر والبطن والظهر والكتفين، بالنسبة للفتيات المحتشمات اضافة الى رسم الشامات على الوجه ووشم الحاجبين ورموش العين والشفاه، وهذا النوع يتطلب اختصاصيين على قدر من الممارسة والدراية. وانفرد الشبان بكتابة بعض العبارات والمفردات التقليدية مثل "باطل أبو عبدو" و"فداك يا أمي" و"وحش الليل" و"مجروح". ولوحظ ان الكتابات والرسومات العاطفية والرومانسية لم تعد تجد مكاناً لها على أجسام الموشومين. وندم علي المعلم 23 عاماً "أشد الندم" لأنه نقش جهة قلبه اسم حبيبته على شكل قلب مدمّى بسهم العشق الذي أصابه: "كنتُ أعتقد ان الحب قيمة انسانية خالدة... تزوجت حبيبتي من ابن عمها ولم تنتظر حتى أنهي الخدمة الالزامية". وأشار الى انه ينوي استبدال رسمه بآخر مناقض لدلالاته لكنه لم يجد طريقة لإزالة وشمه السابق سوى اللجوء الى الوشم الطبي واجراء عملية تجميلية مكلفة لاستبدال الجلد السليم بآخر موشوم وهو ما يعرف بالترقيع الجلدي. ووجهت انتقادات عنيفة لمزاولي عملية الوشم في الآونة الاخيرة. وقالت ندى اختصاصية التجميل من فرنسا ان اختصاصيي وشم التجميل في سورية معدودون على أصابع اليد و"يجهل الهواة أصول الممارسة وتقنياتها الحديثة ما يتسبب في تشوهات وأمراض للزبائن... وخفّ الاعتماد على الصبغات النباتية لمصلحة المعدنية التي لا تهاجر من مكانها ويسهل تفتيتها بالمعالجة الطويلة أما الصبغات الداكنة فتبهت مع مرور الوقت ولا تميل الى اللون الطبيعي، وينبغي إدخال الصبغة الى الطبقة السفلية من الجلد بواسطة إبرة مثبتة الى قلم دوّار". ولفتت الى افتقار المتخصصين الى أجهزة ليزرية لإزالة الوشم بالصنفرة الجلدية "ولذلك لا بد من اللجوء الى جراحي التجميل او غرس حمض التنيك ونترات الفضة من طريق جهاز الوشم لازالة البقع التي هي مواد خاملة وجزء اساسي من تركيب الخلية". وفرضت العديد من الدول عقوبات بالسجن على مزاولي مهنة الوشم الهواة، وعدّ بعضهم ذلك انتقاصاً من حرية التعبير بوصف الوشم من الفنون. وكان للرئىس العراقي السابق صدام حسين وجهة نظر اخرى عندما اصدر قراراً تقطع بموجبه يد أو اذن كل من يقوم او يساعد على ازالة الوشم الذي تمّ نتيجة ارتكاب جريمة معاقب عليها، و"تسجل العقوبة في هوية الاحوال المدنية وشهادة الجنسية ودفتر الخدمة العسكرية والوثائق الرسمية الاخرى المتعلقة باثبات الشخصية، ولا تمحى هذه الآثار الا اذا قام المعاقب بها بعمل وطني او بطولي مشهود"، وفق القرار الصادر عن رئيس مجلس قيادة الثورة صدام حسين إبان العقوبات التي فرضت على العراق بعد حرب الخليج الثانية العام 1991.