في اجواء ضاجة بالدعوة الى "اميركا القوية" وتمجيد الخدمة العسكرية، يُفتتح مؤتمر الحزب الديموقراطي في بوسطن اليوم الاثنين مركزاً على تعريف الناخب الاميركي بشخصية السناتور جون كيري ومؤهلاته لخوض حرب الارهاب وحماية الاميركيين وصون التفوق الذي تتمتع الولاياتالمتحدة به. ويبلغ الوتمر ذروته يوم الخميس عندما يدلي كيري بخطاب قبول ترشيح الحزب الديموقراطي له لمنافسة الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش. ويأمل كيري بأن يقدم نفسه رجلاً يستحق الثقة ويتمتع بمقومات القيادة، وبمواقف متماسكة تمحو الانطباع عنه بأنه متقلّب ويفتقد للحزم. هذا تحد كبير يواجهه كيري خصوصاً أن استطلاعات الرأي العام الاميركي تفيد بأنه يفتقد ثقة الاكثرية به قائداً في مواجهة الارهاب متمكناً من حماية الامن القومي الاميركي. لن يقتصر مؤتمر الحزب الديموقراطي على البحث في الامن القومي اذ ان التأمين الصحي وغيره من القضايا الاجتماعية المهمة ستبرز في المؤتمر. كذلك الاقتصاد وهو مسألة رئيسية في الحملات الانتخابية. وستتداخل اثناء المؤتمر العناوين الآتية: الارهاب، الاستخبارات، العراق، الحروب الاستباقية. مواقف كيري لا تنفك تزداد شبهاً بمواقف بوش، على رغم اصرار الديموقراطيين على ان لا شبه بين الاثنين. اثناء مؤتمر صحافي في واشنطن قبل اسبوع، تحدث كيري عن توجيه ضربات عسكرية استباقية بصورة دعمت ما يُعرف بالعقيدة الاستباقية التي تبناها بوش. قال كيري متحدثاً عن الارهابيين بصورة التساؤل: "هل انا مستعد كرئيس ان اصيبهم قبل ان يُصيبونا اذا ما تمكنا من تحديد مواقعهم وامتلكنا الاستخبارات الكافية؟ يمكنكم ان تراهنوا انني مستعد". وزاد: "لن اسمح اطلاقاً لأية دولة بأن تمارس حق النقض الفيتو على ما نحتاج القيام به، ولن أسمح أبداً لأية مؤسسة اخرى ان تستخدم الفيتو ضد ما نحن في حاجة للقيام به لحماية امننا". كلام كيري يكاد يكون مقتطفاً من العقيدة الاستباقية التي تبنتها ادارة بوش قبل حربها في العراق والتي هي جزء اساسي من اسباب تلك الحرب بذرائع مختلفة بينها محاربة الارهاب. فما يحاول كيري ابرازه في انتقاده بوش هو تحميله مسؤولية فشل الاستخبارات في تقويم خطر العراق، وكذلك اسراعه الى حرب بلا دعم دولي لها. لكن رفضه "الفيتو" من دولة او مؤسسة مثل حلف شمال الاطلسي مثلاً يجعل كلامه عن البعد الدولي للاستهلاك اكثر مما يعد بتغيير جذري. في حديث ادلى به كيري امس الاحد الى صحيفة "نيويورك تايمز" قال وهو يشدد على انه افضل من بوش في حماية اميركا من الارهاب "انني قادر على شن حرب أكثر فعالية ضد الارهاب. فأنا قادر على جعل اميركا أكثر أمناً. وأنا سأعيد الحلفاء للوقوف معنا". الرسالة الاهم التي سيطلقها كيري والحزب الديموقراطي من مؤتمر بوسطن هي رسالة اميركا "الآمنة القوية" او اميركا "الأكثر امناً". وسيتجنب كيري والمؤتمر، بقدر المستطاع، تحويل المؤتمر الى مسيرة ضد بوش، ليركز على تقديم كيري الى الناخب الاميركي "رئاسياً"، ووطنياً بإبراز سجله كمحارب من اجل بلاده، وكجندي خدم في الجيش الاميركي اثناء حرب فيتنام. حرب العراق ستكون أحد محاور المؤتمر، كشاهد على تضليل الاميركيين بمبررات وذرائع مثل اسلحة الدمار الشامل التي لم يُعثر عليها او العلاقة مع شبكة "القاعدة" وارهاب 11 ايلول سبتمبر. انما هذا لا يعني ان المؤتمر سيتقدم بحلول مختلفة جذرياً عما تقدمه الادارة الجمهورية لمعالجة ملف العراق او لفترة بقاء القوات الاميركية في العراق. كذلك بالنسبة الى النزاع العربي الاسرائيلي لن تختلف سياسة الديموقراطيين عن سياسة الجمهوريين، بل قد يعمل الحزب الديموقراطي للمزايدة على احتضان ادارة بوش لاسرائيل ورئيس وزرائها وتعزيز توأمة اميركا واسرائيل في حرب الارهاب. اما ابرز تمييز بين الديموقراطيين والجمهوريين اثناء المؤتمر في بوسطن فانه قد يكون في التمييز بين شخصيتي نائب الرئيس الديموقراطي المرشح جون ادواردز ونائب الرئيس الجمهوري ديك تشيني. فأصعب مهمة قد يواجهها منظمو حملة كيري ادواردز اثناء المؤتمر قد تكون مهمة اقناع الثنائي كلينتون، بيل وهيلاري، بتحويل الاضواء عنهما، ولو قليلاً. فهما الثنائي الاكثر شهرة وطموحاً. وهيلاري قد تكون مستاءة لاختيار ادواردز نائب رئيس، لانه مؤهل وشاب ومحبوب الشخصية. نبرة المؤتمر، كما قُرّر لها، ستكون نبرة ايجابية وتطلعية وتفاؤلية. لكن القلق من عمليات ارهابية سيرافق المؤتمر خصوصاً بعدما ترددت انباء بأن الصحافة ستكون مُستهدفة. وفي مؤتمر بوسطن، سيكون عدد الصحافيين ثلاثة اضعاف عدد الوفود القادمة من كل الولاياتالمتحدة. وهذه الوفود تأتي بأولوياتها السياسية لكنها تتطلع الى اجواء الحفلات المتواصلة تقليدياً طوال انعقاد مثل هذه المؤتمرات. لكن هذا المؤتمر ليس كغيره، فعليه يتوقف مستقبل الحزب الديموقراطي من حيث مبادئه وتوجهاته وقدراته. لعله من اهم المحطات في المسيرة الاميركية السياسية في زمن حرب الارهاب والحروب الاستباقية. ففي بوسطن قد يؤخذ الحزب الديموقراطي خطأً وكأنه الحزب الجمهوري وهو يتبنى لغة الوطنية والقوة بدلاً من لغة القضايا الاجتماعية التي سبقت وميزته... أي "كوكا كولا/ بيبسي كولا"، حسب تعبير المرشح المستقل رالف نادر في وصفه الحزبين الرئيسيين. كلامهما كولا؟ الجواب ليس بالسهولة المبسطة. مؤتمر بوسطن سيوضح اذا كان الاختلاف بين الحزبين مقتصراً فقط على "النكهة".