هل انتهى مفعول القول الذي ردده بعض المتحمسين للدراما السورية في تسعينات القرن الماضي وفحواه انها سحبت البساط من تحت أقدام الدراما المصرية؟ يبدو الجواب مرتبطاً بأحوال الدراما التلفزيونية السورية ومستقبلها، ومرتبطاً أيضاً بوجهتي نظر متناقضتين تلخصان رؤيتين لهذا المستقبل، الأولى تنبع من التفاؤل بمستقبل هذه الدراما والثانية، متشائمة فحواها أن الدراما السورية تعيش حال خطر. ويعبّر بوضوح عن ذلك المخرج السوري نجدت أنزور حينما يقول في سياق حوار صحافي أجري معه أخيراً: "الدراما السورية الآن بلا نصير ولا تستند الى حماية ولا الى من يتبنى تسويقها على الصعيد الرسمي كما في مصر أكثر الدول العربية إنتاجاً للدراما حيث تتبنى الجهات الرسمية تسويق الأعمال الدرامية...". ويتابع: "ليس لدينا مرجعية رسمية تتبنى تسويق الدراما المحلية كغيرنا من الدول التي تنافسنا وتقتحم الأسواق". وضمن الرأي الأول يقول الفنان رفيق سبيعي في سياق حوار صحافي: "الدراما السورية تسير الى الأفضل وساعدها على الانتشار الفراغ الذي خلفته الدراما المصرية والعربية في شكل عام، ومحاولة تكرار الأفكار والمواضيع في المسلسلات المصرية، وهنا نشأت تجارب أخرى منها الدراما السورية التي استطاعت أن تأخذ مكانها الى حد ما، وكانت جدية في طرح الموضوعات". وعانى القطاع العام بحسب وصف الكاتب والممثل عدنان حبال منذ سنوات طويلة مضت بيروقراطية الانتاج ونقص التمويل وسوء اختيار النصوص التي كان يجب أن تصلح للشاشة وتستوفي شروط الدراما التلفزيونية لا أن تصلح فقط للقراءة الرقابية وسياسة الممنوعات وتحكم الأذواق. وما يتفق عليه معظم العاملين في الوسط الدرامي السوري أيضاً هو الصراع والتنافس غير الشريف بين مختلف أطراف العملية الدرامية. لا سيما الصراع بين من يدير رأس المال، والممثل والمخرج والكاتب في الجهة المقابلة، وجاءت أزمة التسويق هذا العام لتوضح ما ينتظر هذه الدراما "السورية" إذ بقي الأمر مرهوناً الى الارتجال والاتكال، وتبدو بيروقراطية بعض الجهات الرسمية المسؤولة عن التسويق غير معنية بما يحصل بدليل عدم وجود وجهة نظر لديها. وبدليل الصراعات المستمرة بين أطراف العملية الدرامية داخل القطاع العام "التلفزيون" من أجل مكاسب آنية مادية وفي معظمها مكاسب شخصية. ورقابياً، ما زالت العشوائية والمزاجية والنفوذ تسيطر على موضوع الرقابة، في وقت تخلصت الدراما المصرية من الكثير من هذه العقد لمصلحة معالجات درامية راهنة وساخنة تمس الواقع الحالي الذي يعيشه الانسان العربي. على رغم هذه المعطيات ما زالت كاميرات المخرجين السوريين تدور وتصور بشقيها العام والخاص. وهناك عشرات الأعمال السورية تحضر لموسم رمضان المقبل على رغم كل ما ذكر من عقبات وبين الرأيين المتفائل بمستقبل الدراما السورية والمتشائم تظل القضية مفتوحة وتحتاج الى أكثر من وقفة لأن تشخيص المشكلات شيء، ومعالجتها شيء آخر، وحتى نعترف بأن الدراما السورية صارت صناعة حقيقية لها تقاليدها وتدرّ على الاقتصاد الوطني بخيراتها، لا بد لنا من وقفات مطوّلة للحوار والنقاش ولاتخاذ قرارات استراتيجية تصب في مصلحة المستقبل، مستقبل الدراما - وحاضرها - والسرعة في ذلك هي ما نحتاج اليه لأننا في زمن التنافس، هو عنوانه والبضاعة الجيدة بحاجة الى من يسوّقها في شكل صحيح.