سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مكتب التحقيقات الفيديرالي يدعمه مكتب الكحول والتبغ والسلاح يشرف على التحقيق مع الرئيس المخلوع . مثول صدام امام محكمة عراقية يساعد في التغلب على الآثار المدمرة لحكمه
اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" أمس ان مثول صدام حسين أمام محكمة عراقية لمواجهة تهم ارتكاب جرائم ضد الانسانية يحمل أهمية تفوق مصير الرئيس المخلوع نفسه. محاكمته تعطي العراقيين فرصة الحصول على سجل كامل عن جرائم عهده، وهذا قد يشكل الخطوة الأولى للتغلب على الجروح النفسية العميقة التي خلفها ذلك العهد. كما تعطي المحاكمة الحكومة العراقية الجديدة فرصة لاكتساب الثقة واثبات الفاعلية. أما بالنسبة الى ادارة الرئيس جورج بوش، المعروفة بعدائها للمحاكم الجزائية الدولية، فبإمكانها ان تقدم للعالم النموذج الذي تفضله لمحاكم جرائم الحرب. وكان صدام مثل أمام محكمة عراقية في جلسة أولية أمس، الا ان مسؤولين قانونيين عراقيين استبعدوا بدء المحاكمة رسمياً قبل العام المقبل. وأضافت "نيويورك تايمز" أن كل هذا يعني ان المحاكمة تحمل الكثير من الآمال والمخاطر. وأشارت الى تساؤلات من كثيرين عمّا اذا كان باستطاعة هيئة قضائية عراقية تعتمد القانون العراقي، من جهة، والخبرات القانونية الأميركية، من الثانية، أن تقدم محاكمة تتسم بالشفافية والصدقية، أم انها لن تتجاوز ان تمثل "عدالة المنتصرين" - أو، في هذه الحال، "انتقام الضحايا". كما ان هناك احتمال استخدام الرئيس المخلوع المحاكمة منبراً سياسياً. الا أن "كثيرين من العراقيين عبروا عن الارتياح الى محاكمة صدام امام عراقيين، ورأوا أن هذا يمثل الخطوة الأولى للتغلب على الاثار النفسية المدمرة لحكمه، وهذا لا توفره محاكمة دولية. وتمتاز المحكمة الحالية عن كل محاكم جرائم الحرب السابقة - من نورمبرغ الى سييراليون - بأنها ليست هيئة قضائية دولية مستقلة. فقد أصرت الحكومة العراقية على مثول صدام امام محكمة عراقية، فيما أرسلت واشنطن فريقاً من القانونيين والمحققين للتدقيق في الأدلة ضد النظام السابق ورئيسه والكشف عن القبور الجماعية ووضع استراتيجيات الادعاء. ويثير نفوذ أميركا ودورها الكبير في القضية الكثير من الانتقاد. ذلك ان مكتب التحقيقات الفيديرالي أف بي آي يقود التحقيق، بدعم من مكتب الكحول والتبغ والسلاح ومسؤولين من وزارة العدل. اضافة الى ذلك فان مسؤولية حراسة صدام حسين لا تزال بيد الأميركيين بالرغم من نقل المسؤولية القانونية عنه الى العراقيين. واذ يؤكد الأميركيون المشرفون على العملية حرصهم على استقلاليتها وصدقيتها، يشيرون في السياق ذاته الى الحاجة الى الخبرة الأميركية لدعم وترميم الجهاز القضائي العراقي الذي تعرض للكثير من التخريب أثناء حكم صدام. لكن ذلك مرحلة موقتة الى ان يتسلم العراقيون السيطرة الكاملة على العملية القضائية. وقال خبير قانوني أميركي يشارك في المحاكمة ان القرارات الرئيسية كلها - من تحديد المطلوبين للمحاكمة الى طبيعة التهم الموجهة اليهم - بيد العراقيين منذ الآن، "ولا بد أن يأتي ذلك اليوم الذي تقول فيه الهيئة القانونية العراقية الخاصة للأميركيين: بلغنا المستوى المطلوب ولا نحتاج الى المزيد من المساعدة". ويتوقع أن تشمل التهم الموجهة الى صدام ارتكاب جرائم بحق الانسانية، منها جرائم الإبادة، بناء على وقائع محددة، مثل الهجوم بالغاز السام على بلدة حلبجة الكردية في 1988 الذي ادى الى قتل خمسة آلاف من سكانها، والمجازر في جنوبالعراق اثر انتفاضة 1991 . وتواجه المحكمة المكلفة النظر في قضية الرئيس المخلوع منذ الآن الطعن في شرعيتها من فريق الدفاع. كما ان عددا من عناصر العملية لم يكتمل بعد، مثل الاتفاق على قواعد الأدلة، وبرامج حماية الشهود، فيما لا يزال الكثير من الأدلة والوثائق موزعاً في انحاء البلد مع ما يحمله ذلك من خطر الضياع والتزوير. اضافة الى ذلك تجد الهيئة القضائية الخاصة، ضمن أجواء العنف التي تسود العراق اليوم، صعوبة في تعيين القضاة ومسؤولي الادعاء، واضطرت الى اخفاء هوية العدد القليل الذي تم تعيينه خوفا من اعمال الانتقام. وأوضح سالم الجلبي، رئيس الهيئة القضائية المختصة، بأن المحاكمة ستقوم على خليط من القوانين العراقية والدولية، و"سنحاول أقصى جهدنا التوصل الى المستويات القضائية الدولية فيما نحافظ على الطبيعة المحلية للمحكمة". ونقلت "نيويورك تايمز" عن "كثيرين من العراقيين" انهم لا يريدون لصدام استعمال المحكمة منبرا سياسيا، مثلما فعل سلوبودان ميلوشيفتش أثناء محاكمته في لاهاي. الا أن قانونيين أميركيين مشاركين في المحاكمة في بغداد رأوا ان أصول المحاكمات العراقية تعطي القضاة صلاحية أوسع لمنع المتهم من استغلال المحاكمات لأغراض سياسية. وعبر قانونيون عن القلق من أن محاكمة صدام وأركان نظامه حسب قوانين صدرت أثناء حكمه وعدلها قانونيون أميركيون قد ينتقص من حقوق المتهمين. ورد خبير قضائي على ذلك بالقول ان التعديلات التي أدخلتها سلطة الاحتلال تمنع الانتقاص، لأنها شملت الغاء قوانين تنص على التمييز على أسس الاثنية أو المعتقد السياسي. مع ذلك حذّر قانونيون من أن استعجال الحكومة العراقية الجديدة محاكمة صدام قد تحول العملية الى "مسرحية سياسية"، وهي بالضبط التهمة التي وجهها الرئيس السابق الى هيئة المحكمة في جلستها أمس.