لم يتمكن ابو عواد 40 عاماً وهو عامل في مطعم وسط تكريت من حبس دموعه حين شاهد الرئيس المخلوع صدام حسين ابن بلدته على شاشة التلفزيون، وقد بدا شاحباً وهزيلا وهو يدافع عن نفسه في قفص الاتهام. وقال عواد وقد بدا عليه الحزن العميق وهو يشاهد اللقطات التلفزيونية "كنت اتمنى ان اموت قبل ان اشاهد صدام في هذا الموقف". واضاف "كنت افتخر على الدوام بأن صدام ابن مدينتنا، اما اليوم فاشعر بالألم والحسرة لما يجري له بأيد عراقية". ويشاطر معظم سكان تكريت 180 كلم شمال بغداد التي كانت تحظى بمنزلة خاصة لدى صدام ابو عواد رأيه، ولم يخف معظم الاهالي مشاعر الحزن والألم وهم يشاهدون مجريات المحاكمة. وقال فلاح حسن الذي راح يضرب بحسرة على احدى ركبتيه "منذ صغري وانا أشاطر صدام الكره للغرب وما زلت حتى الآن". واضاف "انهم يتهمون صدام بالديكتاتورية ويتشدقون بالحرية والديموقراطية وحقوق الانسان ولكن اين هي حقوق الانسان الموعودة هذه؟". وتساءل "ماذا جنينا من سقوط صدام سوى الانفجارات والخراب والدمار وحظر التجول والنعرات الطائفية وفقدان الامن؟". ويعتقد فلاح، مثله مثل الكثير من ابناء هذه المدينة ان اي رئيس للعراق لن ينجح في حكم البلاد الا اذا "كان حازماً" على شاكلته. وقال ان "صدام كان يستخدم القوة مضطراً للسيطرة على البلاد، واكبر دليل على ذلك حالة الفلتان التي نعيشها اليوم بسبب غياب القائد القوي" وانتزعت من شوارع تكريت وحاراتها ودوائرها الصور الضخمة لصدام حسين ووضعت مكانها اعلام عراقية وآيات قرآنية، فيما لا تزال الاماكن التي رفعت منها تماثيله خالية. وعلقت على اعمدة الكهرباء لوحات كتبت عليها عبارة "لنبدأ من جديد" و"يداً بيد من اجل بناء عراق ديموقراطي حر". الا ان هذا الكلام لا يعجب سكان هذه المدينة التي ترى في حرية الغرب "سراباً وخداعاً". وتساءل حسين الجبوري، احد اصحاب المتاجر "اين الحرية التي وعدونا بها واين حقوق الانسان التي انتهكت في سجن ابو غريب؟ هل الحرية ان يحتلوا دولة ويحاكموا رئيسها بهذا الشكل وبهذه الصورة المستهجنة؟". وزاد وهو ينظر بأسى الى لقطات لصدام مدافعاً عن نفسه "أهكذا نفعل برجل حكم العراق ربع قرن، هل يجوز ذلك؟". وتابع "صحيح ان صدام ارتكب اخطاء، حاله حال اي انسان، لكن يجب ان تتم محاكمته امام حكومة شرعية منتخبة لا امام حكومة عينتها قوات احتلال". وراح يردد "هذا لايجوز، هذا غير شرعي". وفي العوجة مسقط رأس صدام، تبدو البلدة شبه خالية وكأنها مدينة اشباح وقد خيم حزن كبير على سكانها وهم يتابعون مشاهد المحاكمة. وقال عبدالمنعم الصافي وهو عسكري سابق "هذه مهزلة وليست محاكمة". واضاف "ألم يجدوا قاضياً اكبر سناً من هذا القاضي لكي يحاكم شخصاً مثل صدام؟". وتابع "انا اكاد لا اصدق ان صدام الرجل الاول في العراق الذي تغنى به العراقيون بأجمل الاغاني ينتهي به المطاف على هذا النحو... وكأنني أعيش في كابوس". وزاد "على العراقيين الا يفرحوا بل ان يحزنوا، لان صدام عراقي وجزء منهم وما حصل لصدام يحصل بصورة اكبر للعراق... العراق اليوم بلد مكبّل حاله حال صدام". وكان صدام حسين تحدى المحكمة التي وجهت اليه تهمة ارتكاب "جرائم ضد الانسانية" في سبع قضايا كبرى، رافضاً التوقيع على لائحة الاتهام ضده ومدافعاً عن غزو الكويت وواصفاً محاكمته بأنها "تمثيلية".