خفّض تشكيل الحكومة الجديدة وتيرة الجدل القائم منذ نحو عامين في شأن العلاقة بين الحزب الوطني الحاكم والحكومة بعد إسناد نحو 6 حقائب وزارية الى أعضاء بارزين في الحزب خصوصاً حقيبتي تنمية الاستثمار، واختير لها رئيس اللجنة الاقتصادية في الحزب محمود محيي الدين، والتجارة الخارجية والصناعة بعد دمجهما، واختير لها رشيد محمد رشيد رجل الاعمال عضو لجنة السياسات التي يترأسها جمال مبارك، ما يعني أن الحزب بات قادراً على ايجاد كوادر مؤثرة والاستعانة بها في تنفيذ سياسات أخفقت الحكومة السابقة في تنفيذها. وقال متابعون "يبدو ان الحزب اقدر على التطوير من الحكومة" وبالتالي كان لا بد من الدفع ب"أفكار جديدة" او ما يسميه الخبراء بالاوراق الحزبية الرابحة لتدخل السباق أمام المشاكل القائمة والمتفاقمة ووضع حلول جذرية لها. وتعلق الأوساط الاقتصادية آمالاً على الحقيبتين المذكورتين فيما يعتبرهما عضو لجنة السياسات رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين جمال الناظر "أبرز ما في الحكومة الجديدة وعليهما يقع العبء الأكبر في شطب المعوقات أمام المستثمر وحل مشاكل المواطن الذي يئن من ارتفاع أسعار السلع الأساسية والبطالة". ويؤكد محمود محيي الدين ورشيد محمد رشيد أنه "لا انفصال بين سياسة الحزب والحكومة وبالتالي أي أوراق رابحة داخل الأول تنعكس ايجاباً على الثانية" وأشارا الى أن عملهما يأتي من تكليفات رئيس الحزب ورئيس الدولة بضرورة الاهتمام بمحدودي الدخل وايجاد فرص عمل والتعامل الايجابي مع الثروة البشرية وإزالة عقبات التصدير. واعترفا بأن المهمة الملقاة على عاتقهما في حاجة الى إعادة نظر عما كان في السابق مؤكدين ان عملهما الحزبي سيفيد كثيراً في عملها داخل الحكومة. تترقب الأوساط السياسية والاقتصادية برنامج عمل الحكومة الجديدة التي سيطرح على الرأي العام عموماً كونها المرة الأولى التي يحصل فيها رجال أعمال على حقائب وزارية من جهة وتتولى كوادر بارزة من الحزب الحاكم مسؤولية المجموعة الاقتصادية من جهة أخرى. واعتبر البعض "ان هذه الخطوة من الأوراق الرابحة لعب بها الحزب ليغير نسبياً الأوضاع الاقتصادية القائمة ويعالج الاخفاقات الحكومية السابقة. ووزير الصناعة والتجارة رجل أعمال بارز وشغل مناصب عدة في شركات دولية ويعتبر أول رجل أعمال يدخل الحكومة وهو صاحب أكبر مجموعة شركات للمنتجات الغذائية في الاسكندرية وعضو اللجنة العليا للسياسات في الحزب وعضو المنتدى الاقتصادي العالمي ومجلس ادارة الصندوق الاجتماعي ورئيس المجلس المصري الهولندي للاعمال. وكان وزير تنمية الاستثمار محمود محيي الدين يشغل رئيس اللجنة الاقتصادية في الحزب وقاد حركة تغيير اقتصادي وصاغ أوراق البلاد اقتصادياً وساهم في بلورة تشريعات اقتصادية عدة في مقدمها قانون المصارف الجديد وقانون حوافز الاستثمار اضافة الى مشروع حماية المنافسة الذي لم يُقر بعد. ووزير السياحة أحمد المغربي عضو لجنة السياسات في الحزب ايضاً وشغل مناصب في شركات سياحية دولية. ما يعني أن الحكومة الجديدة يمكن أن يُطلق عليها اسم حكومة الحزب لأن الاخير دخل بثقله الى اركانها لينفذ سياسة طالما نادى بها في السابق ولم تنفذ كما ينبغي. ثقل حزبي ورأى عضو لجنة السياسات، رئيس جمعية رجال الاعمال المصريين جمال الناظر، أن هناك ثقلاً حزبياً داخل الحكومة الجديدة، وإضافة الى الوزراء الثلاثة المذكورين هناك ثلاثة وزراء في النقل والاتصالات والشباب وهم اعضاء داخل لجنة السياسات، كما رُشحت للحكومة الجديدة شخصيتان بارزتان يمنى الحماقي والسفيرة مشيرة خطاب، ومن خلال هؤلاء يحاول الحزب لعب دور أكبر في المرحلة المقبلة خصوصاً في الشأن الاقتصادي الذي هو في جوهر برنامج الحكومة. واعتبر الناظر هذا الاتجاه طبيعياً نظراً لنشاط الحزب منذ عام 2002 الذي رسم سياسة لتدريب كوادر جديدة لها افكار اصلاحية هادفة تتغلب على الجمود الذي لاحقنا السنوات الاخيرة. وربط الناظر ما يحدث في هذا الاطار بالتطور في السياسة المصرية عامة، لافتاً الى أن من دخل الحكومة من داخل الحزب يمثل أقلية في الحكومة واعتقد "انهم لن ينجحوا بصورة كبيرة في السيطرة على اركان الحكومة علماً انني لا أحبذ ألفاظاً مثل السيطرة والهيمنة والتحكم والمؤامرة والانقلاب فتلك لا يمكن استخدامها لوصف الاوضاع داخل البلاد، هناك حزب اغلبية ويضم اكفاء ومن الطبيعي ان ينتقل هؤلاء الى الحكومة كما يحدث في العالم وإلا فانهيار الحكومة واخفاقها في تلبية مطالب المواطن هو انهيار واخفاق للحزب، واعتقد ان الرئيس مبارك لا يحبذ مثل هذه الأمور". لا خلاف بين الحزب والحكومة واستبعد الناظر أن يكون هناك خلاف كبير بين أعضاء الحزب البارزين وغيرهم داخل الحكومة. مشيراً الى أن رئيس الوزراء الجديد يمكنه السيطرة على ذلك فهو يملك من المهارة الإدارية والقدرة على قيادة فريق عمل والتنسيق بين الوزارات. لكنه حذّر في الوقت نفسه من عدم قدرة الحزب على ايجاد اصلاحيين جدد بصورة منظمة لافتاً الى أن أي كادر حزبي "مُتفتح ومُنفتح لا يأتي من فراغ بل يحتاج الى نحو خمس سنوات لصقله بالتجربة". وعن رأيه في وزيري التجارة والصناعة وتنمية الاستثمارات قال الناظر: "أبرز ما يميزهما الانفتاح على العالم ومعرفتهما الأكيدة بما يجري حولنا وان كنت أرى ان محمود محيي الدين في حاجة الى خبرة أكثر عمره 39 عاماً الى جانب خبرته الحالية ما يجعل منه شخصية اقتصادية بارزة جداً على المدى البعيد واعتقد أنه سينجح في تحقيق ذلك أما رشيد فهو رجل أعمال ناجح ومؤهل تماماً لتحقيق قفزات في حقيبته التي شهدت بعض التباطؤ في المرحلة الماضية". من جهته اعتبر رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان سعيد الألفي أن نجاح عضو في الحزب الحاكم هو نجاح للحكومة ايضاً، فالعالم يسير بهذا المنطق. وقال: "اذا اعتبرنا أن اعضاء لجنة السياسات الذين دخلوا الوزارة هم أوراق رابحة للحزب فكذلك أوراق رابحة للحكومة". واستبعد أي تغليب للحزب على الحكومة لأن الجميع مصريون ولا يعني ان من هو خارج الحزب يفقد جنسيته. وتوقع الألفي أن يكون التنسيق بين المجموعة الاقتصادية الجديدة مميزا جداً لتقارب أفكار الوزراء فهم جميعاً معنيون بجذب الاستثمار ورفع مستوى المعيشة والحد من مشكلة البطالة والاندماج مع الاقتصاد العالمي. واعتبر أن كفاءة محمود محيي الدين تؤهله لحسم مشاكل اقتصادية عدة فهو ينتمي الى عائلة عريقة سياسياً ولها فكر اقتصادي، إضافة إلى عمله مستشاراً لوزير الاقتصاد ورئيساً للجنة الاقتصادية في الحزب وشارك في تمثيل مصر في محادثات مع المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين. ورفض الألفي توجيه أي انتقاد للحكومة السابقة قائلاً: "الحكومة أدت ما عليها حسب الظروف المحيطة، وليس سراً أنها ورثت تركة هائلة من توقف تشغيل مشاريع عملاقة متعثرة وتحجيم التضخم وخفض العجز في ميزان المدفوعات والمحافظة على الاحتياط النقدي واعتقد أنها نجحت بنسبة لا بأس بها لتأتي بعد ذلك مرحلة الانطلاق وجذب الاستثمارات الاجنبية والانفتاح على العالم وتلك سياسة تحتاج الى خبرة القطاع الخاص وممثليه وبالتالي لا غرابة في أن يكون رجال أعمال شرفاء وزراء وهي تجربة جديدة على مصر لكنها ستحقق نتائج طيبة حسب التوقعات. انتخابات الرئاسة والبرلمان واضاف الألفي: "لا ينبغي أن ننسى مساهمة القطاع الخاص بنسبة 70 في المئة من الاقتصاد القومي ما يعني أن الاستعانة برجال الأعمال ليس بدعة، نحن في طريقنا الى مرحلة صعبة جداً وهناك عام انتخابي بالنسبة لرئيس الجمهورية أو البرلمان وعادة أي دولة في حالة انتخابات تكون المطالبة بالإنفاق أكبر من المطالبة بالاصلاح وهناك إنفاق لدعم مرشحي الحزب في الانتخابات لايجاد كوادر داخل الحزب للاستعانة بهم في الوصول بالبلاد الى مرحلة آمنة... وهذا رهن بتعاون الحزب مع الحكومة وملء الفراغ المشترك بشخصيات لها وضع في مجالها واعتقد ان الحكومة السابقة كانت بين نارين، متطلبات الحزب الاصلاحية من جهة والمحافظة على البُعد الاجتماعي من جهة أخرى". واشار الى أن أداء الحزب كان أسرع من الحكومة لظروف خارجة عن إرادتها وهي المحافظة على الاستقرار لكنني أعتقد أن الحكومة الحالية هي من رحم الحزب وبالتالي ستكون طموحات رئيس واعضاء الحزب الشغل الشاغل للحكومة.